أخبار البلد -
زمان .... كنت فتى مغرما ، وأحفظ كل قصائد الغزل وأحفظ كل عبارات الشوق وإن كنت لا أفهم معناها .
كنت مشهورا بكتابة استدعاءات العشق والحب وإن كان الخط وقتها متلعثما وخجلا وغبيا نوعا ما.
كنت دنجوان زماني ، وإن كان تنسيق ملابسي متداخلا ومتشعبا والألوان كحال العروبة اليوم مختلفة ألوانها وغير متجانسة أصلا.
كنت أعشق صفاء وكانت كل الطرقات تعرفني وتعرف وقع دقات قلبي أكثر من وقع دقات أقدامي.
كنت أجلس خلف السور أرقب مقدمها بمريولها الأخضر ، وأشدو: " يا أم المريول الأخضر ليتني خيط بمريولك ... وتمر صفاء بكل ما في نخل العراق من أنفة وكل مافي النجمات من ألق ... تمر بكل كبرياء .... ترمقني ببسمتها فأغوص في بحر الشوق بلا قرار ولا رغبة بالفرار.
كنت أحفظ كل تفاصيلها ... وكل ألوان ملابسها ... وأعرف أشكال الشبرات وألوانها .. كنت الوحيد الذي يعرف سر رموشها الطبيعيات المكحلة ... ويعرف ما يحزنها وما يسعدها .... وكانت الوحيدة التي عشقتني كما أنا بسذاجتي وطفولتي وحتى بوقاحتي....
ذات يوم عدت إلى المنزل فأخبروني بأنها سترحل من الحي فتبعت الشاحنة التي تقل أغراضهم ، ولأن قلبي كان طريا وأقدامي دائمة التعثر والخطاوي مثقلة لم أتمكن من اللحاق بهم وأضعت فرصتي بمعرفة عنوانها وأضعتها.
منذ ذلك الوقت ... وأنا ألظم الأنفاس لظما بين النفس والآخر ... منذ ذلك الوقت .. وأنا أطوي صفحات الحزن والشوق طويا ... وأذرف سيلا من النبض والوجد والخوف في كل ليلة.
منذ ذلك الوقت ... وأنا ألوذ بالمحاريب ... وأفرش السجاجيد وأصلي داعيا ... بأن تعود صفاء ... ويعود لي الوطن بشبراته ... وبعباته لأشدو له :
يا أبو عباية مقصبة ليتني خيط بعباتك ...
فكل ضياع هين ... إلا أن يضيع عنك أو منك .... الوطن .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com