جاء خطاب العرش الملكي في إفتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة الثامن عشر موجزا ومركزا وواضحا وملخصا للتحديات والأولويات الوطنية، إذ لم يتجاوز 370 كلمة وتم إلقاؤه بست دقائق، لكنه جاء يرؤى ثاقبة وإستشرافية ووضع للسلطات الثلاث الخطوط العريضة لنهج عملهم وأولوياتنا الوطنية في هذه المرحلة، وجاء بلغة تدعو للتشاركية لا المناكفة بين الحكومة ومجلس النواب، وأشر لمواطن الاصلاح المطلوب الشروع فيها دون إبطاء.
لقد كان الخطاب الملكي موجه للحكومة لتحضير بيانها الوزاري التي ستنال الثقة على أساسه دون الاختباء خلف جلالته، ودعا الخطاب الملكي مجلس النواب للمناقشة والحرية المسؤولة لمنح الثقة أو عدمها بناء على رأيهم بتجرد بالبيان الوزاري ودون حرج ، أي أننا أمام مرحلة جديدة من تحمّل المسؤولية والتشاركية وفصل السلطات.
كما دعا خطاب العرش الملكي لعلاقة تشاركية وتعاون وتشاور لا مناكفة أو إستعراض أو شد حبل بين الحكومة والنواب، فالمفروض كلاهما في خندق الوطن، وهذه رسالة للتشاركية المثلى للعمل لصالح الوطن دون إستعراض أو شوفية أو مصالح خاصة أو حركات جانبية لا تهم الوطن لأننا لا نملك ترف الوقت ومواردنا محدودة وفوق الأرض لا تحتها وموازنتنا على قدر الحال ومديونيتنا كبيرة.
الخطاب الملكي حدد أولوياتنا الوطنية الأمنية بدعم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الامنية، والتي هي محطة إعتزاز لقيادتنا الهاشمية المظفرة ولكل أردني شريف، والحفاظ على وحدتنا الوطنية ومحاربة قوى الظلام والتطرف وحماية أمننا الداخلي وحدودنا وحفاظنا على وحدتنا الوطنية والدفاع عن قضايا الامتين العربية والاسلامية كدور تاريخي يضطلع به الأردن، وكذلك متابعة القيام بواجبنا للدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، والتركيز على أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية بالنسبة للأردن.
الخطاب الملكي طالب الحكومة بتخفيف العبء الاقتصادي على المواطن من خلال تخفيض المديونية والعجز بالموازنة وإيجاد الإستثمارات المحلية والعالمية اللازمة للتخفيف من الفقر والبطالة وخلق فرص العمل وصون كرامة المواطن بإيجاد العمل المناسب لهم للعيش الكريم وتقديم الخدمات المناسبة لهم.
كما شمل خطاب العرش مطالبة الحكومة في المرحلة المقبلة على ضرورة ترسيخ مبادىء المشاركة الشعبية للمواطنين في الحياة السياسية والعامة من خلال قانوني اللامركزية والبلديات، لغايات تحمل المواطن لمسؤولياته في صنع القرار ووضع الأولويات اللازمة لخطط التنمية المحلية وخصوصاً في محافظات الأطرف لغايات الحد من الهجرة صوب العاصمة عمان والتي باتت تحوي أكثر من نصف المملكة وتتركز فيها المشاريع التنموية وفرص العمل.
وكان للقضاء وتطويره وترسيخ إستقلاليته مفصل هام في الخطاب الملكي، وما لجنة تطوير القضاء التي تم تشكيلها مؤخراً إلا دليل على الإهتمام الملكي الواضح لتطوير القضاء وتسريع عمليات التقاضي والعدالة وإعطاء الحقوق لأصحابها، وهذا بالطبع يتوافق مع الورقة النقاشية السادسة والتي طرح فيها جلالته ضرورة تطبيق مبدأ سيادة القانون والدولة المدنية على الأرض.
كما أن موضوع تطوير الموارد البشرية حظي بشذرة هامة في الخطاب لغايات التركيز على التعليم النوعي وزيادة جودته ومواءمته مع حاجات سوق العمل وتحديداً من خلال التركيز على التعليم التقني والمهني على السواء، وضرورة إيجاد فرص العمل للشباب من خلال برامج التشغيل المختلفة ولكي لا يكون شبابنا فريسة لقوى الظلام والتطرف، وهذا بالطبع يساهم في ترسيخ وبناء أمننا الإجتماعي الذي نعتز به وبمنظومته.
وطلب جلالته بوضوح تام ضرورة نهج التشاركية والتعاون والتنسيق والحوار بين الحكومة ومجلس الامة والمضي قدما في إستكمال وتصويب وتعديل وتحديث وتطوير التشريعات صوب الاصلاح الشامل إستجابة للمتغيرات والمستجدات على الأرض وللتتواءم مع متطلبات الألفية الثالثة، ومطلوب من كل السلطات تحمل مسؤولياتها لخدمة الوطن والمواطن في هذا الصدد.
بصراحة النهج الملكي في خطاب العرش متجدد ويرمي للواقعية والبرامجية المرتبطة بالزمن وتحمل المسؤولية من قبل كل السلطات، ومطلوب من الحكومة ومجلس الأمة التعاون لإستكمال تشريعات المرحلة القادمة صوب تحقيق أهداف الدولة الأردنية، ومطلوب من الحكومة ومجلس الامة أن يكونا على قدر مضاء عزم وعصرية وسمو تفكير جلالته!
قراءة في خطاب العرش الملكي فـي مجلس الأمــة
أخبار البلد -