عاكف الجلاد
ﺃﺭﺩﻧﻲ مغترب في بلد عربي .. يتبادل الحديث مع صديقه من ذلك البلد .. سأله صديقه: ﻣﻦ ﺗﺤﺐ ﺃﻛﺜﺮ نحن أم ﺍﻻﺭﺩﻥ ؟. ﻓﻘﺎﻝ له : ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻋﻨﺪﻱ بينكم وبين ﺍلأﺭﺩﻥ ، ﻛﺎﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ أمي وزوجتي !!!. ﻓﺎﻟﺰﻭﺟﺔ ﺃﺧﺘﺎﺭﻫﺎ ، أحبها ، ﺃﺭﻏﺐ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ، ﺃﻋﺸﻘﻬﺎ ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺴﻴﻨﻲ ﺃﻣﻲ . أمي ، ﻻ ﺃﺧﺘﺎﺭﻫﺎ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻠﻜﻬﺎ ، ﻻ ﺃﺭﺗﺎﺡ ﺍﻻ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ، ﻻ ﺃﺑﻜﻲ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ ، ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃن ﻻ ﺃﻣﻮﺕ ﺇﻻ ﺗﺤﺖ تراب ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ . ﻓﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎﺳﺘﻐﺮﺍﺏ ﻭﻗﺎل : ﻧﺴﻤﻊُ ﻋﻦ صعوبة وﺿﻴﻖ الحياة في الأردن ، ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ تحبها ؟. ﻓﻘﺎﻝ : أمي ليست ثرية ، وﻻ ﺗﻤﻠﻚ المال ولا ﺛﻤﻦ ﺍﻟﺪﻭﺍﺀ ، ﻭﻻ حتى ﺃﺟﺮﺓ المنزل .. ﻟﻜﻦ ﺣﻨﺎﻥ حضنها ﻭﻫﻲ ﺗﻀﻤﻨﻲ ، ﻭﻟﻬﻔﺔ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺃﻛﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺗﺸﻔﻴﻨﻲ . ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺸﻘﺮﺍﺀ ولا البيضاء ، ﻟﻜﻨﻚ ﺗﺮﺗﺎح ﺍﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﻭﺟﻬﻬﺎ الأسمر ، ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﺍﺫﺍ ﻧﻈﺮﺕ ﺍﻟﻴﻬﺎ ، ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ﺑﺴﻴﻄﺔ ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎﻫﺎ ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ، ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ، والطهر ، والكرم والنخوة . هي لا تضع عطراً ، لكن رائحتها رائحة الشيح والزعتر والنعنع والقيصوم ، ﻻ ﺗﺘﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ ، ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻬﺎ ﻋﻘﺪﺍً ﻣﻦ ﺳﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﻘﻤﺢ ﻭﺍﻟﺸﻌﻴﺮ ، ﺗﻄﻌﻢ ﺑﻪ ﻛﻞ محتاج وﺟﺎﺋﻊ . تترنم وتطرب على شعر عرار ، وسامر البدو ، واهازيج الفلاحين . تفتخر ببطولة كايد المفلح على ارض القدس ، وبطولة هزاع المجالي، وقومية وصفي التل . ترفع رأسها شموخاً بشهدائها الأبرار على ثرى فلسطين ، والجولان . تشعر برعشة اعتزاز وهي تنظر للبتراء ، وجرش ، وقصر عمرة ، وام قيس ، وأجمل سهراتها في وادي رم ، وجبال عمان . تتنسم رحيق العز ، وهي تنظر لأضرحة الصحابة على أرضها ، جعفر الطيار ، عبدالله بن رواحة ، زيد بن حارثة ، ابوعبيدة ، ابن الازور ، شرحبيل ، ومعاذ بن جبل . دموعها تهل فرحاً ، وهي تشاهد المسجد يعانق الكنيسة ، وتتعمد في نهر الأردن ، وتشرب من نهر اليرموك . ﺳﺮﻗﻬﺎ ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﺒﺘﺴﻢ !!. ﺍلأﺭﺩﻥ ﺑﺎق للأﺑﺪ ، ﻭﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ﻟﻤﺰﺑﻠﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻤﺪﻭﺍ . ﺍﻻﺭﺩﻥ ﺑﺎق ﻗﻠﻌﺔ للأﺭﺩﻧﻴﻴﻦ والعرب ، الأردن باق بمواقف العز والكرامة . فقال له : ﺃﺭﻯ ﺍلأﺭﺩﻥ ﻋﻠﻰ الشاشات ... ﻟﻜن لا ﺃﺭﻯ ﻣﺎ ﻭصفته ﻟﻲ !!. ﻓﻘﺎﻝ له : ﺃﻧﺖ ﺭﺃيت ﺍﻻﺭﺩﻥ ﺍﻟﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﺮﻳﻄﺔ وشاشة التلفاز ، ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺎ فأﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻻﺭﺩﻥ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ جوف صدري ، وبين حنايا أضلعي ، وفي حشاشة ﻗﻠﺒﻲ . أدامها الله ، وأدام شعبها ، وقائدها .