التفكير بالموت حق، وفي مجالس الناس غالباً ما يذكرون ضروباً من الموت وكيف تنتهي أعمار الناس، والموت له حضور كبير في الثقافة العربية، وطلب الآخرة والتفكير بها. وعن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْزَمُ النَّاسِ ؟ فَقَالَ : أَكْثَرَهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ. «.
والموت أنواع في التراث وعلى لسان الشاعر الدمشقي الشيخ عبد الرحمن التركماني الشهير بالبهلول في مذاكرة عن الموت. حين طلب إليه التعقيب على كلام أبي العلاء المعري في الموت، فأجاب ارتجالاً.
إذا كان نفس الانتظار لذي الورى يسمى بموتٍ أحمر غير لائق
فحقق لنا ما الموت الأسود فهو لا يراه ويرضى به غير المنافق
فقلت موت أبيض هو راحة بل الغاية القصوى لزاكي الخلائق
وذلك موت يستريح به الفتى ولم يجتمع مع مثل ذا في الخلائق
وأضاف النحلاوي: قلتُ ومُرادُ أبي العلاء ومن بعده بهذه الألفاظ الكناية عن شدة ما يُعجز الإنسان، إذ الموت الأحمر في اللغة هو الموت الشديد وقيل القتل، والموت الأغبر هو الموت جزعاً، والموت الأسود هو الموت في غمة الماء، والموت الأبيض هو موت العافية.
ومن المعلوم أن الناس اليوم في ظروفهم وعيشهم تعددت أسباب موتهم، وكثرت أمراضهم، ولكن الطريف في الكثير مما نسمعه أن يقال: فلان مات مثل الغريب، بمعنى أنه لم تتم رعايته والاهتمام به، ولم يسمع أحد بموته، او يقولون: فلان مات بدون ذكر.
وفي المقابل تشهد ونسمع جميعاَ دعوات الكثرين ممن يقولون: «اللهم امتنا واقفين»، بمعنى أنهم لا يحبون الموت بعد علة أو مرض يقعدهم في فراش، وهذا أمر من مخاوف الناس على الرعاية وقلتها، ويكشف عن ضعف التماسك الاجتماعي وتراجعه.
وكثيراً ما يُمدح رجل أو امرأة على وفاته وأيامه الأخيرة، وجلّ هذا مرتبط برعاية أبنائهم لهم، ووقوفهم على حاجياتهم، وهنا تصبح رعاية الكبار من اشدّ ما يحتاجونه ويخشون الحياة من أجله، فلا شيء يرعب الكبير في السن مثل إحساسه بأن أبناءه بعيدون عنه أو قليلي الرعاية له، أو أن الاهتمام به مرتبط ببقاء مالٍ أو مُلك في يده، وذلك من ضعف الإيمان وانعدام الغريزة الإنسانية، فقد حث ديننا وأخلاقنا وقيمنا على رعاية الآباء، وأكثر أنواع الفقد جزعاً عند الأردنيين موت الأبناء، وهو يلقي بالحزن الوخيم على الأم أكثر من غيرها، فنجد الامهات دائمات الدعاء أن لا يلوع لهن قلب على ابن. وأحياناً ما يكون الحب كبيراً بين الزوجين خاصة بعد عمر مديد وطول معشر: فيقول أحدهما:» اللهم اجعل يومي قبل يومك»، وقد لا يكون ذلك في حال كانت الحياة نكدة بين الزوجين فيدعو البعض «اللهم عجل في فرجك».
للأسف اليوم، نرى في مجتمعنا الكثير من العادات السلوكيات التي ترافق الوفاة، ومنها التباهي في مشاهد العزاء والمبالغة في الإنفاق، كما نشهد أيضا عجزاً لدى البعض وقلة حيلة مردها للفقر وانعدام القدرة، وهنا يصبح الدور للمجتمع الأهلي في ضرورة التماسك وإعانة الناس والمحتاجين على مصائبهم.