"اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا" ، فقد اضحكني حد القهر سائق قلاب وانا اعمل محاسب باحد الكسارات ذات وقت قريب ، وهو يضع هذه العبارة على شباك قلابه ، والمصيبة انه (محبحب) وموشوم كمصارع ثيران اسباني ، ويتحدث -والمخدرات (تنز) مع فمه- كالشخير ، وقبل ما( يحط اول) يكون القلاب قد انطلق كالثور الهائج ، صوب شوارع العاصمة عمان .
وقديما مال اكثر العباد والزهاد الى اختيار العزلة ، وتفضيلها على المخالطة ، فوددت والله ان اعيش في قفر لا بشر فيه ، لا بل اعيش ومعي شويهات وناقة وجمل . ولا اشاهد شيئا مما تحفل به حضارة اليوم ، من طائرة وسيارة وسفينة ، وغيرها من وسائل الركوب الحديثة .
قال ابو سليمان الداراني: بينما الربيع بن خيثم جالس على باب داره اذ جاء حجر فصك جبهته فشجه ، فجعل يمسح الدم ويقول : لقد وعظت يا ربيع ، فقام ودخل داره فما جلس بعد ذلك على باب داره حتى أخرجت جنازته .
وكان سعد بن ابي وقاص وسعيد بن زيد لزما بيوتهما بالعقيق فلم يكونا يأتيان المدينة لجمعة ولا غيرها حتى ماتا بالعقيق .
فحادثة حافلة اربد التي اودت بحياة قرابة ثمانية مواطنين ، جلهم من ابنائنا الشهداء الطلبة والطالبات الجامعيين ووقوع اصابات بالعشرات ، قلبت قصة المواجع المرورية وكل ما يتعلق بها من راكب وسائق وسيارة وقانون سير في بلدنا المنكوب مروريا بكل ما تحمل الكلمة من معنى وعناء لا ينقطع ، واحدثت شرخا وحزنا في نفوس الاردنيين جميعا.
وكم اتمنى ان لم اولد في القرن العشرون بل اكون انسان ما قبل الحضارة ، فلا اشاهد او اركب سيارة خصوصي من ماركة البسكوت الكوري كيا وخلافها فحينما تقلب (وتكوع )على جنبها يحتاج الدفاع المدني الى مشحاف حتى يخرجوا اللحم البشري الملتصق بالاسفلت المخلوط بمعدنها الهش كباص اربد الصيني الصنع اللي قلب على جانبه فلو كان مرسيدس الماني او مان فرنسي او فولفو سويدي لما فعلها لانه الصيني ملعون حرسي وبسرعه بيقلب لتواضعهم التقني بهذا النوع من الصناعات الثقيلة على عكس ابداعهم المذهل بصناعة البلاستيك والنثريات .
ولا اشاهد كذلك باص ماركة هيونداي نقل مشترك يقوده سائق سريع الاشتعال لنقل طلاب المدرسة صباحا لتعويض الاعاقة الحكومية بهذا الجانب ، ولا باص كوستر يقل ثلاثون راكبا والسائق نار جهنم الكبرى ، كباصات رغدان السلط وغيرها من المحافظات ، اضافة لحافلات جت وحجازي وغيرها من اساطيل النقل العملاقة على امتداد طرق الاردن الخارجية من الشمال للجنوب .
او ان اشاهد سيارة عمومي لون اصفر او ابيض كسرفيس ضاحية الحسين وهي بالمناسبة مثال مشاهد محسوس لكثير من سلبيات هذا القطاع في العاصمة عمان . فهذا الخط وحده يصلح لكتابة مسرحية شكسبيرية تراجيدية مؤثرة .
وهو الخط الذي يتحكم السائق فيه (ويلطع )الركاب لاكثر من ساعه تحت اشعة الشمس او الامطار، بالموقف المخصص قرب ساحة الجامع الحسيني، وانا شخصيا كنت اقضي وقتي واقف بشرب العصير اللذيذ واقرأ الجريدة بمنتهى برودة الاعصاب حتى لا انسجن من ورا سايق ارعن .
فأقرأ الملحق الرياضي واشرب عصير ليمون من رمضان الخليلي - اشهر محل عصير بالاردن المقابل لسرفيس ضاحية الحسين تماما- ولك ان تتخيل قراءة الملحق الرياضي فهي بتوخذ منك وقت مباراة الفيصلي والوحدات 90 دقيقة واستراحة الشوطين ووقت بدل ضائع لمدة ربع ساعه حتى تنتهي من قراءة الملحق الرياضي ويصل دورك بالسرفيس العتيد .
فأنت تشاهد ثلاثة او اكثر من سائقين الخط متوقفين كانهم متوفين امام طابور المنتظرين ، بشارع بسمان بيحرقوا اعصاب الركاب المساكين وشرطي السير- اعانه الله - مش ماين عليهم بل يترجى فيهم هو والسمسار مشان الله تحركوا لاغاثة كبار السن والسيدات الملطوعين - خاوة - حتى يقوم احدهم باخذ السيارة طلب خصوصي .
بس يتحنن السائق عليك وتركب بالسرفيس تكمل سعادتك كما حصل معي ذات يوم براكب سكران طينه طالع من بارات وسط البلد ومعطيها على الصبح - الساعه العاشرة - لترين عرق وكونياك – اجلكم الله ومن فضل الله لم اشرب الخمر ولا المخدرات ولا الدخان بحياتي وانا الان على عتبة العام الخمسون فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولا امن على احد بذلك وجل متعتي بالحياة الدروشة والجلوس بتكية اذكر الله فيها والناس مو تاركني بحالي قاتلهم الل انى يؤفكون - يعني ما بتوصل مقصدك الا وانت محروقة اعصابك تماما ويا كثر السكارى والمخمورين فيك يا وطني .
انا بنصح الناس ترجع تركب على الحمير والجمال لا نها ما تشرب الخمر ولا تتعاطى المخدرات واعتذر من كل سائق عمومي محترم امين على ارواح ركابه فهو غير مقصود بتاتا بهذا المقال الذي خرجت بكثير من فقراته عن طوري ولكن يبدو ان بعض السائقين سريعوا الاشتعال اجبروا الاعلاميين ان يضاهوهم اشتعالا ومن لا يرحم لايٌرحم .