قد يكون المرشح الجمهوري «ترامب العنصري» بحاجة إلى هبة إعلامية يمينية متطرفة، لتقليص الفارق بينه وبين منافسته الديمقراطية، حيث الفارق بينهما أصبح 8 نقاط لصالح منافسته، لكن «ترامب العنصري» وكثيرين هناك ربما يحتاجون لعملية إرهابية تضرب في أمريكا لاستنفار الاعلام المضاد.. كلهم يحتاجون إلى الإعلام، والسياسات المتوحشة تحتاج إلى اعلام التضليل لتكسب الجولات وتقلل من فرص الخصوم ومن فرص ظهور الحقيقة.
الوضع لدينا مختلف تماما، وعلى الرغم من حاجة الحكومة لكل التأييد، وعلى الرغم من أهمية الحقيقة والمكاشفة إلا أن سلاح الحكومة الحقيقي الذي يضمن لها الثقة النيابية والشعبية هو الاعلام المتوازن، المنحاز للوطن والدولة أكثر من انحيازه للاثارة والاتجار بالحدث لتوسيع قاعدة المتابعين او تقليص تأثير الخصوم او المنافسين، والمتتبع لمجريات الحدث الأردني يستطيع أن يلمس بسرعة سحر الاعلام ومدى تأثيره على سير الأحداث..
في الأسابيع الماضية؛ تراوحت اهتمامات الناس حول أهم قضيتين وهما «المناهج واتفاقية الغاز»، وحتى وقت قريب كان الحديث تقريبا من طرف واحد، وهو حديث معارضة ولا أعني فقط المعارضة الاسلامية، بل إن كثيرا من المعارضين يتركون العنان للخبر والتحليل وصانعيه، وبالكاد يقدمون أكثر مما يقدمه الاعلام، لكننا شهدنا موقفين حكوميين مهمين على هذا الصعيد، دفعا المتحدثين إلى مزيد من التروي في إطلاق الكلام والهجوم على الحكومة بل والدولة أحيانا..
الموقف الحكومي المتمثل بتصريحات رئيس الوزراء حول المناهج، أعطى إضاءة مهمة، وخفف من حجم التحشيد ضد الدولة والحكومة، كما دفع بالمهتمين «بعضهم» إلى التعقل وعدم كيل التهم إلى الحكومة، وذلك حين قال رئيس الوزراء بأن موضوع المناهج خاضع للنقاش، حيث كان كلامه مريحا لكثيرين، ولجم بعض الاتهامات التي يتم توجيهها إلى الحكومة وجهات ما، بأن لديها أجندة مسبقة حين عدلت المناهج المدرسية، لكننا لم نتابع اعلاما يتحدث عن تصريحات الرئيس الملقي كما يجب، وكأن الذي أدلى بالتصريح سياسي مستقل وليس رئيس حكومة تنتظر انطلاق الدورة العادية لمجلس النواب، لحيازة الثقة، والسير في برنامجها الوزاري ..
الكلام المنسي حول تعديل المناهج كثير جدا، وسبب غيابه يعود لقلة خبرة واحتراف الاعلام، وانحيازه للاثارة أكثر من اهتمامه بالحقيقة والفكرة، وسوف تعلو وتيرة الحديث غير المكتمل حين يتولى بعض النواب الدفاع عن وجهة النظر المناوئة للتعديل، وعلى ذات الطريقة الملتزمة بالاثارة وصناعة البطولات بعيدا عن الحقيقة والتوازن، ولا يعني كلامي هذا بأنني مع فكرة تعديل التاريخ والجغرافيا واللغة والقيم، بل أتحدث «مهنيا» عن خفة اليد الاعلامية المفقودة، والتي بفقدانها يزدهر اعلام صناعة الأزمات، فتوقفواعند تصريحات رئيس الوزراء لتتأكدوا بأن الكلام المطلوب ما زال غائبا عنكم.
والموقف الحكومي الآخر المهم، والذي كان له تأثير نسبي على تخفيف الإثارة الاعلامية المناهضة لاتفاقية الغاز، هو ما صرح به الدكتور جواد العناني نائب الرئيس، حين قال بأن السياسي الأردني يسقط في الحرج، وليس سهلا عليه أن يتخذ القرار، حين يتعلق الموضوع بالتعامل مع اسرائيل، وهي حقيقة سياسية مهمة، كان الواجب على الاعلام ان يفرد لها مساحات تحليلية واستقصائية ايضا، لتوضيحها، ومطاردة الحقيقة التي تدفع بالسياسي الأردني ان يتخذ قرارات مهمة، لكن الاعلام يلتقط اللحظة ويضخم الاثارة ويفسح المجال للعاطفة، بينما الحقيقة تختفي..
كلام كثير وحقائق مهمة تغيب عن ذهن المتحدث رفضا لاتفاقية الغاز، وثمة قفز عن ثوابت سياسية واقتصادية، تضع الأردن في موقف اتهامي وربما تآمري، ويتم نسيان احتدام الصراع وغياب الأخلاق السياسية التي تمارسها كثير من الدول حول الأردن، والدول الكبرى التي تتحكم بمجريات المعادلة السياسية في منطقتنا .. الكلام كثير وليس هذا وقته، لأننا سنتابع الخطاب غير المكتمل ينطلق أيضا من مجلس النواب، وهذا ما يجعلنا «ندخر» الرأي لوقته المناسب ونكتفي هنا بالمراقبة، وهو حال كثيرين في وسطنا الاعلامي والسياسي مع التأكيد على تباين النوايا والأهداف التي تدفعهم للصمت المؤقت، فهم أيضا منخرطون في «لعبة الورق».
يوجد حلقة حكومية مطلوبة الآن لكنها مفقودة، ولن يكون لها تأثير لو حضرت متأخرة، فالقصة لها علاقة بالسحر والسحر المضاد في الاعلام، ولا يمكنني تقريب المعنى الا بذكر مثال عن لعب الورق «الشدّة»، في لعبة اسمها التركس:
الورق بين أيديكم والجولة «شيخ الكبة» فافتحوا كبة ما استطعتم.. افتحوا كبة، قبل ان تداهمكم الجولة التالية.
ibqaisi@gmail.com
افتحوا كبَّه
أخبار البلد -