أعتذر مسبقا لكل سائق تاكسي محترم، يقوم بعمله بأمانة ويحترم نفسه والناس، ويكد من أجل لقمة عيش كريمة متمتعا بالخلق الرفيع والتعامل الحضاري الراقي،
وما زلت أمارس تلك العادة:
في الزحمة، وغياب الرحمة، تزعجني شوارع المدينة، وحين أتورط بمشوار وأضطر لقيادة السيارة، أشعر كثيرا بأنه يلزمني المزيد من وقت و«قنوة»، لكنني أثوب إلى العقل
وأقول: لماذا أضيع وقتي مع هؤلاء؟ فهم ربما يحتاجون علاجا نفسيا أو بدنيا ما، لكنني لست المسؤول عن «المنافس الحامضة والعقد النفسية المستفحلة» ولا عن الشر المستطير الذي لا لجام له سوى العقوبة غالبا..
لا تفهم كيف يقود هؤلاء سياراتهم، ولا يمكنك أن تتوقع تصرفا حضاريا أو علميا منطقيا من بعض سائقي السيارات الخاصة والعامة، يريد أن يخالف كل القوانين ويحول سيارته إلى طيارة، للهروب من أزمة، ولا يفكر بأن كل الذين حوله في السيارات التي تزاحمه الطريق، هم مثله، لديهم أعمال ويحتاجون للاستفادة من الوقت وعدم هدره في مناكفة سواقين، وعلى شوارع تفيض بالغضب والجو اللاهب بالحرارة ورائحة عوادم سيارات الديزل و«الخلق الضيق»..
أصبح كثيرون من سائقي سيارات التاكسي يمارسون التجاوزات بلا أدنى تردد، يقف في سيارته «التاكسي»، وأبوابه موصدة، يفتح شباك سيارته، وقبل أن يسألك عن وجهتك يشير بيده قائلا:
أنا مشواري هون إذا بطريقي بوصلك، بس بتدفع «رقم»،
فتسأله: لماذا لا تستخدم العداد،
يجيبك : شو بدها توفي معي، السيارة هاي بتكلفني باليوم 50 دينارا، من وين أجيبهم يعني، أروح «***» !،
وأمام مثل هذا التصرف والتبرير والخطاب تقول في نفسك: شو اللي حطني بهيك موقف؟ والله بركب بسيارتي ولو قضيت كل يومي فيها أفضل لي من أن أرى مثل هذه النماذج من الكائنات، لكن ماذا يفعل من ليس لديه سيارة، وماذا تفعل النساء والبنات والناس المستورون؟!.
هؤلاء؛ يبررون تجاوزهم للقانون جهار نهار بأن الشوارع مزدحمة، ولا يمكنهم التعامل مع العداد، فهم سوف يخسرون ولا يتمكنون من العودة للبيت ومعهم قوت أطفالهم، ويضعون اللائمة على الحكومة والوزارة وهيئة قطاع النقل ونقابتهم..ثم يهددون الجميع بأنهم سينخرطون في مهنة «***» او المخدرات أو يقومون باعتصام ويضربون عن العمل، بسبب الأوضاع الاقتصادية المزعجة وبسبب الشوارع، وربما يضيف بعضهم سببا جديدا « وجود ركاب من الذكور»!.
نادرا ما يقفون لشاب او رجل، بل يختارون النساء والبنات، ويجرون العملية التفاوضية معهن قبل أن يركبن في السيارة، لدرجة أنك تفكر ان ثمة شيئا مشينا متعلقا بتلك الفتاة او السيدة، فتشعر بأن القصة ليست مجرد نقل راكب من مكان إلى آخر وأخذ أجرة مقابل هذا.. وحين تتحدث مع أحدهم تكتشف بأن الخطأ الرسمي الذي يرتقي إلى مستوى جريمة، يكمن في السماح لمثل هؤلاء بقيادة سيارات أجرة عامة..
هذه مواقف تحدث على مدار الساعة في عمان، ولا تحتاج إثباتا أو دليلا، إذ يستطيع أي مواطن أو مسؤول أن يقف على الشارع ويوقف تاكسي، وسوف يعيش ما وصفته سابقا حرفيا، وللأمانة والموضوعية والانصاف أقول إن ليس كل من يقود سيارة «تاكسي» هذه أخلاقه، فهناك رجال محترمون ويتمتعون بأخلاق راقية وثقافة موسوعية فريدة عن الناس والوطن، يتعاملون مع الناس بكل لطف وأمانة، ولا يرتكبون تجاوزا واحدا بحق الناس والمجتمع والشوارع والقوانين، ومثل هؤلاء هم من يجب أن يقودوا هذه السيارات..
في احد مشاويري؛ تحدثت مع النموذج السيئ المذكور، فإذا به يمتلك خطابا يدافع فيه عن وجهة نظره السيئة، فأجبته: اسمع حبيبي؛ إن كانت هذه المهنة لا تعجبك فإنك تستطيع أن تتركها لمواطنين آخرين، من بينهم حملة شهادات جامعية عليا في الهندسة والطب وسائر التخصصات، ومن بينهم حملة شهادات في الأخلاق والتعامل المحترم، ولديهم كامل الرغبة في العمل بأي عمل حر شريف، ويوجد منهم عدد لا بأس به يقود سيارات التاكسي فعلا، ..اذا مش عاجبكو الشغل اتركوه ولا تقرفوا الناس والبلد والدولة.
نحتاج إعادة النظر في هذه القضية، فالتراخيص لمكاتب التاكسي و«الطبعة» أصبحت محتكرة تقريبا، وتحتاج إلى مبالغ فلكية للحصول عليها، الأمر الذي يستوجب على الجهات المعنية بهذا القطاع أن تفكر بتغيير بعض الإجراءات، وتقديم خدمة «محترمة» للناس، وتفتح مجالا للشباب في أن يكسبوا رزقهم من عمل شريف..
أنا أجزم أن كثيرين من المواطنين ومن النساء على وجه التحديد، ترسخت لديهم قناعات وربما حالات نفسية سيئة جراء اضطرارهم للتعامل مع مثل هذه النماذج من سائقي التاكسي، الذين كانوا قلة قليلة وتخشى السقوط في مثل هذه التجاوزات، فتكاثروا وأصبحوا يمارسونها علانية غير آبهين بالقانون ولا بالدولة ولا بكرامة الناس.
شوفولهم حل فخطرهم استفحل.
ibqaisi@gmail.com.