لا أدافع عن الحكومة حين أقول: «لاشيء يخفيه رئيس الوزراء»؛ حتى في القضايا التي تشغل بال الناس والقوى السياسية المختلفة، وتطغى على المشهد السياسي الداخلي، ، كاتفاقية الغاز وتعديل بعض المناهج المدرسية، حيث تحدث عنها الملقي بقناعاته الشخصية، وبالطبع هو يدافع عن موقف الحكومة الداعم لها، علما أن موقف الحكومة لا يكفي لاعتباره موقف دولة، فالحكومة تمثل سلطة واحدة من عدة سلطات، وأهم موقف يصدر عن هذه السلطات، هو موقف الشعب الذي يمثله مجلس النواب، فالموقف الأردني النهائي من هذه القضايا الداخلية التي تحوز اهتمام الشارع، لن يتجلى الا بعد أن يلتئم مجلس النواب ويقول كلمته فيها...
الدكتور هاني الملقي لا يخفي شيئا، ويقدم أداء واضحا لا التباس فيه، وحين تحدث عن قناعته بصواب القرار الأردني في تنويعه لمصادر الطاقة، فهو يقدم رأيه السياسي المبني على المنطق والحقائق السياسية والاقتصادية، وهو لا يرد على أحد أو جهة ترفض هذه الاتفاقية لأسباب سياسية أو غيرها، وهذا الموقف واضح لا مناورات سياسية فيه، ولا شراء للتأييد والشعبية على حساب برنامجه السياسي الذي يلتزم به ويزمع تحقيقه من خلال فريقه الوزاري، ولعل المعنى السياسي المتأتي من هكذا شفافية منطقي بالدرجة الأولى، فالحكومة تورد هذه الحقيقة بكل صدق وكأنها تقول لمن يعارض هذا الموقف: كن شفافا ومنطقيا وقدم بديلا مقنعا.. اسلوب محترم في التعاطي مع القضايا بلا مواربات ولا شراء مواقف أو إتجار برغائب وعواطف.
المواقف المعارضة للسياسات الحكومية نحترمها، ما دامت مبنية على المنطق ذاته، وتتحدث عن الأردن وقضاياه بلا انحياز، تطرح رايها وتقدم بدائلها وبرامجها السياسية، وتستند إلى المنطق، وتنأى بنفسها عن التوتير والتأزيم، واستنطاق الأزمات القديمة والجديدة، وتوظيفها استغلالا لمشاعر وعواطف الناس، الذين هم في النهاية ضحايا لسياسات واستراتيجيات الفزعة ومرادفاتها..وفي المسألتين المثارتين شعبيا واعلاميا وهما «اتفاقية الغاز والمناهج»، ثمة رأي شعبي مطلوب، وهو الرأي الذي ننتظره من مجلس النواب، وذلك ان كنا نتحدث عن ديمقراطية وسياسة واحترام للرأي والرأي آخر، ولعل المجلس القادم يحتوي على كل التوجهات السياسية المؤثرة، وسوف يكون رأيه حاسما بالنسبة لكل القضايا، فلنتعامل بمؤسسية تعبر عن رقي افكارنا واحترامنا لقواعد السلوك الديمقراطي ..
يقول الدكتور الملقي: لا أسمح بأي خطأ يصدر عني أو عن أي من أعضاء حكومتي أو أي مسؤول آخر، ولن أتوانى بأن أعالجه على الفور، والدليل هو ما حدث في موضوع وزير النقل المستقيل، حيث تمت معالجة الخطأ وحسم الموضوع على الفور، ولم يستغرق أكثر من ساعتين..أنا لن أتردد في معاقبة نفسي لو سقطت في خطأ ما، وهذه حقيقة يعلمها كل فريقي الوزاري، ويجب أن يعلمها كل مسؤول وموظف في القطاع العام، أو يقع ضمن مسؤوليات حكومتي.
لا أعلم؛ أليس هذا ما نريده من أي رئيس وزراء ومن أية حكومة؟ أليس المطلوب هو الالتزام بالدستور وتطبيق القانون والالتزام بروحه؟ رئيس الوزراء ومن خلال تصريحاته ومواقفه وشفافيته يتعهد بهذا ويطبقه فعلا، وهذا هو أهم وأسمى ما نطلبه من أية حكومة، ولا مجال او وزن لأية «عنتريات وبطولات» خارج هذا السياق السياسي، فنحن نتحدث عن وطن ودولة ولا نتحدث عن أحزاب أو تيارات أو قوى وجهات خارجية..بل نتحدث عن شكل الحكومة الأردنية المطلوبة، التي تواجه الناس بالحقائق، ولا تنتظر أن تسقط في الأخطاء ثم تحاول الهروب منها بإخفائها وترحيلها إلى المستقبل الذي لم يعد يحتمل إخفاقات.
أتمنى أن يتعامل الجميع مع الوطن وقضاياه بمثل هذه الشفافية والوضوح، فلا مجال للمناورات السياسية وترحيل القضايا أو تأجيل الإجابات على الأسئلة، ولعل هذه الحكومة اقتنعت بأن المواجهة وعدم الهروب، والصدق والشفافية هي طوق النجاة، وهي الضمانة الحقيقية لسلامة أي أداء في إدارة الشأن العام..
المنطق يحتم علينا جميعا أن نتعاطى مع الشأن العام بمؤسسية تنبع من التزامنا بالدستور والقانون والتعامل بسلوك ديمقراطي، لذلك علينا أن ننتظر اكتمال حلقة القرار السياسي، الذي يقول الشعب فيه كلمته الحاسمة وذلك من خلال مجلس النواب.