لقد تمكنّا من اجراء الانتخابات النيابية في البلد اليوم لنواصل المسيرة الديمقراطية بخطى حكيمة ثابتة رغم حقيقة وجودنا في محيط تضرسه نيران الحروب الفتّاكة الملتهبة وشلالات الدماء النازفة ، ورغم كل الظروق المحيطة التي ندرك مخاطرها وتعصف بمن حولنا من دول الجوار كالنار في الهشيم ، وهو أمر غاية في الأهمية يجعل من البلد واحة استقطاب للتطور والجذب والرخاء السياسي .
واستكمالا لاستحقاقات المرحلة والمستقبل فانّه ما من بدّ من أن يتم العمل على حلّ مجلس الأعيان وإعادة تشكيله على اعتبار أنّ نظام الحكم نيابي ملكي وراثي ، أي أنّ نظام الحكم نيابي محكوم بمجلس الأمّة والملك ، وعليه فانّ مجلس الأمّة يتكون من مجلسي النواب والأعيان ، إذ يكون النواب منتخبا بالاقتراع السري المباشر بينما يختار الملك أعضاء مجلس الأعيان وفق إحكام ومواصفات الدستور .
ولا بد من إعادة تشكيلة مجلس الأعيان لاستكمال استحقاق المرحلة ، لتكون تركيبته متسقة مع ايقاع المجلس الجديد ومكمّلة لشكله ومضمونة وتسدّ ما حصل من نقص أو خلل في مجلس النواب ، وبما يتناسب مع متطلبات المستقبل والمرحلة وحاجاتها الى خبرات ورجالات قادرة على تحقيق سياسات وخطط المرحلة من متطلبات وتتحمّل المسؤولية ، لسبب بسيط هو أنّنا نقف أمام منطقة تتغير سياساتها بما يشبه الرمال المتحركة .
أن الولاية في تعيين مجلس الأعيان تقع ضمن اختصاص الملك وهو صاحب الولاية في ذلك أناطها الدستور بجلالته لأنه الأقدر على استشراف طبيعة المرحلة المقبلة بقضّها وقضيضها وتحديد احتياجاتها ، والأقدر والأعرف بما يتناسب لها من رجالات وكفاءات . وقد نصّ الدستور الأردني على عدد من الأحكام الشديدة الأهمية التي تتعلق بمهام وتكوين مجلس الأعيان ، كمدّة بقائه الأربع سنوات بالتزامن مع مجلس النواب ، وتحديده لعدد أعضائه بعدد لا يقل عن نصف عدد أعضاء مجلس النواب ، وما الى ذلك .
لقد استقلت الدولة الأردنية في 25 أيار 1946 وصدر في نفس العام الدستور الأردني الذي نص على أنّ السلطة التشريعية تناط بمجلس الأمة والملك ، ويأتي نظام الحكم بهذه الطريقة بوحي عن النموذج البريطاني في الحكم ، إذ يعتبر النظام البرلماني البريطاني أقدم واعرق نموذج برلماني ، ومنه انتقل مفهوم مجلسي النواب واللوردات .وقد جرت العادة في بريطانيا أن يتشكل مجلس اللوردات – إي الأعيان – من نوعين من الأعضاء هم الروحيون وهم من كبار رجالات الكنيسة من الأساقفة والدنيويون وهم من طبقة النبلاء من أبناء العائلات الوازنة والمعروفة يتوارث الأبناء عن الآباء المركز ، الا انّه حصلت العديد من التطورات والتغييرات في مجلس اللوردات
لصالح الإصلاحات السياسية بحيث تمّ تقليص صلاحيات مجلس اللوردات المعين لصالح مجلس النواب ، فيما جعلت نسبة لا تقل عن العشرين في المائة من أعضائه من رجالات القانون ،كما وتمّ تخفيض عدد أبناء العائلات من النبلاء وتوارثهم وعدد رجال الكنيسة لصالح الخبراء ورجال المعرفة في الحياة العامّة وشؤونها . وهنا نحتاج أن نقف هنيهة لنستدرك عملية الاصلاح ونتنبه الى أهمية مجلس الأعيان كمكمل لدور النواب ، وان نتجاوز فكرة اعتباره مقبرة الفيلة للكبار أو بجعله مرضوات على حساب الوطن لمن اخفقوا في الانتخابات وغيره من الاعتبارات سوى اعتبار واحد معيار الخبرة والدور والمعرفة والحضور على مساحات الوطن ، فلا يمكن اختيار شخص مهما بلغت مكانته او شهادته بينما لا يعرف أسماء اثنين من أبناء عمومته ويغيب عن التواجد في إي مناسبة كانت ، لان هذا لا يعرف حاجات الناس ولا ما يلزمهم من تشريعات لتطوير مستوى التنمية الشاملة المستدامة في كل المجالات وما يحتاجه من تشريعات ناظمة لذلك .
كما وانني اشدد على اهمية الاتجاه الى معايير حصيفة بعيدة عن المحسوبية والواسطة والمحسوبية وغيرها من الاعتبارات في اختيار أعضاء المجلس ، وان تعطى الأجهزة المختصّة دورها في إبداء الرأي والمشورة وغربلة التنسيبات .