الاتحاد الأوروبي كبش فداء

الاتحاد الأوروبي كبش فداء
أخبار البلد -  
 
الهزة السياسية التي أحدثها الاستفتاء في بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي دلالة على تحول الأخير إلى كبش فداء. ووضعه شبيه بوضع العولمة، فكل الدول تدينها وتندّد بها، فيما تتفاوض حول قواعدها، أي قواعد تحرير التجارة العالمية. وهي لم تفعل ذلك مرغمةً، وإنما اعتقاداً منها أن تحرير القواعد ورفع الضوابط سيحفّز التجارة العالمية، وبالتالي، النمو الاقتصادي.
وتتصرّف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بطريقةٍ مماثلة، فهي من يتخذ القرارات المصيرية من خلال مؤسسات الاتحاد؛ تتفق على التخلي على بعض صلاحياتها لسلطةٍ فوق الدولة، وعلى إدارة شؤونها وتسييرها بشكل جماعي. وهي تفعل ذلك مخيّرة لا مرغمة، خصوصاً أن دينامية الاتحاد الأوروبي تقوم على مبدأ التمايز الذاتي في بعض المجالات الأساسية، أي لكل دولة عضو أن تقرّر وفق مصلحتها واستعدادها وقدراتها الانضمام إلى هذه الآلية، أو تلك، على أن تحترم جملة من الشروط، فمثلاً ليست كل دول الاتحاد منخرطةً في العملة الموحدة، أو في نظام شنغن لمراقبة حدود الاتحاد الخارجية.
ولم يفرض الاتحاد الأوروبي شيئاً على بريطانيا، فهي من تقدم بطلب الانضمام على أساس دفتر شروط، وهي من شارك في البناء الأوروبي بطريقتها الخاصة: قدم في الداخل وأخرى في الخارج. حيث ظلت أربعين عاماً من العضوية في حيرةٍ من أمرها، متردّدة بين الذهاب بعيداً في الاندماج مع شركائها الأوروبيين والخصوصية البريطانية، إن لم نقل العزلة، فطالما عملت على إجهاض مبادراتٍ تكاملية في الاتحاد. ولم تكتف بالمطالبة دائماً بوضعية خاصة، وبشروط تنسحب عليها دون سواها، كما فعلت أخيراً بشأن الهجرة، بل سعت إلى إفشال بعض المشاريع الأوروبية الأكثر تقدماً، مثل الوحدة النقدية، معارضة الفكرة منذ البداية. لكنها واصلت المشاركة في آليات الاتحاد الأوروبي الأخرى، حتى أصبحت عقبةً داخله. إذ تثير دائماً جدلاً حول المقترحات الأوروبية لإدارة الشأن الجماعي.
الحقيقة أن نسخة الاتحاد الأوروبي التي تشتهيها بريطانيا هي فوائد بدون مقابل، بدون التزامات! وقد نجحت جزئياً في ذلك، لكن موقفها أصبح معضلةً محليةً وأوروبية لم تعد تُحتمل. فمع الأزمة الاقتصادية وأزمة النموذج الأوروبي، أصبح من غير الممكن مواصلة هذا التأرجح بين موقفين متعارضين: نعم للاتحاد الأوروبي، ولكن، وفق المقاييس والمصالح البريطانية. من هذا المنظور، يمكن القول إن الأزمة الاقتصادية في دول الاتحاد وقضية الهجرة واللاجئين عجلت حسم هذا التردّد البريطاني التقليدي.
لكن قرار رئيس الحكومة البريطانية المحافظة، ديفيد كاميرون، تنظيم استفتاء شعبي حول
الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا يعود فقط إلى سعيه الحسم نهائياً في التردّد البريطاني، وإنما بالخصوص إلى ضمان إعادة انتخابه. فأمام تصلب عود اليمين المتطرّف المعادي لأوروبا وللمهاجرين، وظف كاميرون الاتحاد الأوروبي لحسم مسائل تخص السياسة الداخلية البريطانية، مرتكباً خطيئة سياسية في حق بريطانيا وفي حق الاتحاد الأوروبي: حمَّل هذا الأخير تبعات قرارات سيادية بريطانية، وعرَّض بريطانيا لانقسامٍ سياسيٍّ لم تشهده من قبل، بل ربما الانفصال، بالنظر إلى سعي أسكتلندا البقاء في الاتحاد، لأنها صوّتت بالغالبية ضد الخروج منه. هكذا أراد البريطانيون إرباك أوروبا، فإذا بهم يهزّون أسس بلدهم ويعرّضونه للانقسام. ما يعني، أنه على الرغم من الموقف المعادي لأوروبا، فإن الأخيرة أصبحت أحد أسس الوحدة البريطانية.
والحصيلة في غاية من الخطورة، فبريطانيا خسرت الاتحاد الأوروبي، وقد تخسر نفسها. كما تتحمل حكومته مسؤوليةً تاريخيةً، لأنها لم ترد بالشكل الكافي على مضامين الحملة الانتخابية لدعاة الخروج من الاتحاد غير الواقعية، لا من حيث التشخيص (تحميل الاتحاد كل شيء وعلى أساس معطيات وهمية)، ولا من حيث وعود ما بعد الخروج، خصوصاً أنه من الواضح أن بريطانيا ستخسر من خروجها من الاتحاد أكثر مما ستربح. وبالتالي، بموازين الربح والخسارة في صالح أوروبا، على الرغم من أن مجرد خروجها يعد صدمةً قويةً للبناء الأوروبي.
المحنة الحالية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي هي حصيلة سنواتٍ من تحميل حكومات دوله أوروبا تبعات سلوكاتها وخياراتها السياسية والاقتصادية. صحيح أن قراراتٍ وطنية كثيرة أصبحت تُتخذ على المستوى الأوروبي، وأن الاتحاد يبدو أنه لا يهتم بالمواطنين الأوروبيين كما ينبغي، مبتعداً عن شواغلهم وتطلعاتهم، إلا أن النخب الحاكمة في الدول الأعضاء هي من فوّضه بعض الصلاحيات ورفض أخرى، وهي من حدّد بوصلته السياسية والاقتصادية.
هكذا، أصبح الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن نقائصه وإخفاقاته، كبش فداءٍ لحكوماتٍ لم تنجح، لا على المستوى الداخلي، ولا على المستوى الأوروبي، في الحد من الأزمة الاقتصادية. والآن، وبعد أن قرّر البريطانيون مغادرة البيت الأوروبي، من سيحملون مستقبلاً مسؤولية إخفاقات نخبتهم الحاكمة؟ - See more at: https://www.alaraby.co.uk/opinion/2016/7/1/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%83%D8%A8%D8%B4-%D9%81%D8%AF%D8%A7%D8%A1-1?utm_campaign=nabdapp.com&utm_medium=nabdapp.com&utm_source=nabdapp.com#sthash.22juirTj.dpuf
شريط الأخبار «المركزي»: تعليمات خاصة لتعزيز إدارة مخاطر السيولة لدى البنوك فرنسا ترسل سفينة عسكرية إلى سواحل لبنان احترازيا في حال اضطرت لإجلاء رعاياها الاتحاد الأردني لشركات التأمين يهنئ البنك المركزي الأردني بفوزه بجائزة الملك عبدالله الثاني للتميز عن فئة الأداء الحكومي والشفافية لعام 2024 الصفدي يوجه لنجيب ميقاتي رسالة ملكية جادة وول ستريت تستكمل تسجيل المكاسب بعد تصريحات رئيس الفدرالي الأميركي إعلان تجنيد للذكور والإناث صادر عن مديرية الأمن العام المستشفى الميداني الأردني غزة /79 يستقبل 16 ألف مراجع الملك يرعى حفل جوائز الملك عبدالله الثاني للتميز الخارجية: لا إصابات بين الأردنيين جراء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان حزب الله: قصفنا مستعمرة "جيشر هزيف" بصلية صاروخية الحكومة تقرر تخفيض أسعار البنزين 90 و95 والديزل لشهر تشرين الأول المقبل وفاة احد المصابين بحادثة اطلاق النار داخل المصنع بالعقبة البنك الأردني الكويتي ينفذ تجربة إخلاء وهمية لمباني الإدارة العامة والفرع الرئيسي وفيلا البنكية الخاصة الخبير الشوبكي يجيب.. لماذا تتراجع أسعار النفط عالمياً رغم العدوان الصهيوني في المنطقة؟ حملة للتبرع بالدم في مستشفى الكندي إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية حتى 18 تشرين الثاني المقبل (ارادة ملكية) الاعلام العبري: أنباء عن محاولة أسر جندي بغزة تسجيل أسهم الزيادة في رأس مال الشركة المتحدة للتأمين ليصبح 14 مليون (سهم/دينار) هيفاء وهبي تنتقد الصمت الخارجي بشأن العدوان الإسرائيلي على لبنان مشاهد لتدمير صاروخ "إسكندر" 12 عربة قطار محملة بالأسلحة والذخائر لقوات كييف