لسنا بحاجة إلى حوار وطني.. بل إلى ثقافة إنسانية حقيقية

لسنا بحاجة إلى حوار وطني.. بل إلى ثقافة إنسانية حقيقية
أخبار البلد -  

هل نحن عملياً كنَّا بحاجة ماسة لتأسيس هيئة مستقلة للثقافة؟ ألم تَفِ وكالة الثقافة بالمطلوب كما ينتظره المثقف منها؟ وهل كانت تجربة 11 عاماً، أي منذ تأسيسها، تلك التي مرت بمخاضات عدة كافية لكشف عورها؟

 

 

أستطيع القول إجابة عن كل هذه الأسئلة بثقة تامة إننا لم نستشعر يوماً وجوداً حقيقياً لوكالة الثقافة إلا في فترة إدارة الدكتور عبدالعزيز السبيل، الذي غذّى عقولنا بتطلعات كبيرة اصطدمت بواقع المجتمعات الثقافية أو المتثاقفة في المملكة، مما أوجد خيبة أملٍ كبيرة أسقطتنا في جبِّ اليأس من إصلاح هذا الكيان الناشئ الوليد، ولنقل بمعنى آخر إجهاض للتجربة التي لم يكن ليكتب لها الاستمرار في أجواء آمنة ومطمئنة، فمن جاء بعد الدكتور السبيل دخل في صراعات لا متناهية، وصلت إلى ردهات المحاكم، وتداولتها أيدي القضاة، لتمسي الثقافة في مفهومها الواسع للوعي والتقبل، إلى معابر ضيقة لا يستطيع أن يهرول داخلها سوى وكيلها وبعض العاملين معه، ومن أراد اللحاق بهم عليه أن ينتظرهم عند المخارج الاضطرارية، فيلحق تالياً بهم في ذيل القافية، كي لا تقع كوارث لا تحمد عقباها.

 

 

غدت الثقافة المؤسساتية تشبه حالة اختناق، تحملت الأندية الأدبية على وجه الخصوص وزر هذه الإدارة المنغمسة في ذاتها فاصطدمت مباشرة معها، وتمظهر ذلك في استقالات فردية وجماعية، أدت إلى انقطاع تيار العمل الثقافي، وخبت شعلة المنابر الأدبية، مما أوقد في صدور الأدباء والمثقفين كراهية أدت إلى عزوفهم عن ارتياد الأندية، كما تأثرت جمعية الثقافة والفنون بفروعها بهذا العجز الإداري، الذي أفضى إلى عوز مادي لم تستطع معه انتشالها من الهوة التي سقطت فيها، وسحبت معها كل الجمعيات النوعية، فأمسى الفنانون بمؤونتهم الضعيفة بحالة مزرية، لا يستطيعون إقامة فعالياتهم إلا في المناسبات الرسمية التي تدعو لها الوكالة، وتشخص نفسها بها على حسابهم، أما الفعاليات الموسيقية وتحت قوة الأجنحة الدينية الضاغطة تقريباً فشلّت بالكامل، وبما يشبه التعويض في علم النفس اشتغل الفنانون من خلال (الشلليات) في ما بينهم بحروب وصراعات شخصية هامشية تبودلت فيها الاتهامات، وما بين هؤلاء وأولئك، أعني الأدباء والفنانين، بات المجتمع بعيداً كل البعد عما يحدث، تتشكل اتجاهاته وظواهره وفق رؤى أخرى مختلفة، فالثقافة والأدب انحسرا في ركن قصي تعشش فيه عناكب الوهم، بينما المجتمع برمته منجذب تماماً لثقافة المواعظ، أعقبتها ثقافة الصحراء المرتبطة بـ«مزاين الأبل» وقنواتها التي أنجبت لاحقاً ثقافة الشيلات.

 

 

من هنا وقعت الكوارث التي نراها اليوم في العديد من الظواهر الفجة، كالتمظهر الطائفي، والتمايز القبلي، وبسببهما إلتاثت العقول وسخمت الصدور، ورأينا كيف يقتل الناس بعضهم بعضاً لأسباب واهية، في ظل غياب ثقافة متحصنة بأبراجها العاجية، تمارس في الوقت نفسه أدوار التسول والاستجداء بكل معانيه.

 

 

استشرى بين أوصال المجتمع غريم متمكّن يعمل بجد ونشاط من دون اللجوء إلى أساليب (الشحاذة) أو الترفع عن الناس، يتحدث بلغة قريبة من لغتهم، ويندس بين صفوف جماعاتهم كواحد منهم، حتى أصبحت لها ألوية مرفوعة تعبّر عنها الألسنة وتعتنقها القلوب، بينما خرجت الثقافة بألوية منكَّسة يحملها مثقفون، لا يزالون يتلذذون بأناهم المتورمة، متى حدّثوا الناس فمن أنوفهم، ومتى خالطوهم ترفعوا عنهم، هذا كله كان مدعاة لفشل العمل الثقافي الذريع، حتى أعلن عن هيئة الثقافة، فاستعدنا ذلك الأمل المفقود بأن تعاد برمجة خلايا الثقافة العصبية، لأجل تشغيلها باتجاه المجتمع، وانتزاع كينونتها النخبوية الفجة، ووضعها في فضاء مشرع يحتدم بسنن التغير والتبدل، فلا تظل حائرة في كتاب خط بأنانية مفرطة، ولا قصيدة غارقة في نرجسية كريهة، بل إلى رحاب ثقافة جديدة تُعنى أول ما تُعنى بصياغة الأفكار المحتبسة حرارياً بسبب نافخي الكير من المذهب أو الطائفة أو القبيلة.

 

 

الثقافة الجديدة التي نطمح من هيئة الثقافة أن تقدمها لنا هي إعادة تلك الأخلاق المعجونة بالعادات والتقاليد الحميدة والأخلاق الدينية الفاضلة، التي تبدأ من روح الإنسان المشرعة على الصفاء والحب، المفضية إلى عقله المنفتح على كل الاختلافات الذوقية والفكرية، بمعنى أن تشاع بيننا ثقافة التسامح، ويعاد إلى الفن الحقيقي الأصيل وهجه، وينتزع الخوف من لحن «قَطَّرَ» من أوتار عود، أو إيقاع يشحن الأفئدة بقيم الحب العفيف.

 

 

هذا التناغم الحواري الجميل بين الفكر والفن هو لغة الحوار المفقود بيننا، الحوار الذي استشعرنا ذات يوم انقطاع اتصالنا الروحي به، وصنعناه جسداً ينازعه الموت في قاعات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومع ذلك نكتشف اليوم أن غرف الإنعاش الرسمية فشلت في إعادتنا إلى جادته الحقيقية، ليظل المبنى الكبير الذي شيّد في جهة الرياض الشمالية بعد كل التجارب من مؤتمرات وندوات ولقاءات ودورات أنموذجاً حياً على أن تعزيز الوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي، من ترسيخ قيم التنوع والتعايش والتلاحم الوطني، لن يتم فقط بالمحاورات والمداولات داخل قاعات تفرض طقوسها وهيبتها على المتحاورين، أولئك الذين تختارهم من خلال أجندة خاصة بها، بل إن الحوار هو أساساً فلسفة عميقة لمعنى الثقافة والفن والأدب، فمتى استطعنا غرس قيمها الحقيقية وأوجدنا تلك المتعة المفقودة، أو المصادرة مع التعاطي معها بكل حرية، سنصل إلى الرؤية التي ينشدها، المتمثلة في مجتمع متحاور لوطن متلاحم، ثم لن نحتاج إلى أن نحرض أنفسنا للحوار الذي قد يودي بنا إلى الخلاف المفضي إلى صراع من نوع آخر، لغة الحوار سنجدها كما قلت في الموسيقى التي تتجاذب مع الروح، مع الكتاب الفلسفي الذي يجادل العقل، في النص الأدبي الذي يوقظ المشاعر، في اللوحة التشكيلية، في الصورة المتحركة والجامدة، كلها ستصوغنا في قوالب إنسانية حية متفاعلة تصنع شبكاتها طبيعياً تحت أشعة الشمس وضوء القمر، من دون أن نطيل الكلام ونصرف لأجله أموالاً طائلة.

 

 

أمام هيئة الثقافة فرصة لإعادة مفاهيمنا للثقافة والحوار، وأمامها مبنى شامخ، أعني مبنى مركز الملك عبدالعزيز للحوار، ليستثمر إلى ما هو أبعد من (الحكي) ليؤتي ثماره الحقيقية، ويصبح متداولاً لكل أبناء المجتمع، فليس أجمل من هذا المبنى والموقع ليكون مقراً لهيئة الثقافة ولجانها وأنشطتها. يومها، صدقوني لن يجد الشاب وقتاً للاستسلام إلى كل الدعوات المنحرفة والمشبوهة. سيكون ابناً حقيقياً للوطن من دون أن نكثر عليه الكلام؛ لأننا بالفعل فقط سنحقق المعادلة الصعبة.


 

 

 

 

 

 

 
شريط الأخبار وائل جسار وسيرين عبد النور بالأردن والتذكرة تصل إلى 400 دينار وفيات الثلاثاء 1-10-2024 الزرقاء تفقد أحد رجالاتها .. النائب الاسبق (محمد طه ارسلان) في ذمة الله ترقب لحكم الاستئناف بحق نائب متهم بالرشوة بعد التاج الاخباري .. رجل الأعمال طارق الحسن يخسر قضيته أمام “صوت عمان” في قضية وثيقة مصرف الشمال مقتل نجل منير المقدح قائد كتائب شهداء الأقصى بغارة إسرائيلية على مخيم عين الحلوة بلبنان( فيديو) استهداف قاعدة فكتوريا العسكرية في مطار بغداد بالصواريخ هطول مطري شمالي ووسط المملكة اليوم.. والأرصاد تحذر من خطر الانزلاق انفجارات دمشق... اغتيال إسرائيلي يطال صحافية ويوقع شهداء وجرحى «المركزي»: تعليمات خاصة لتعزيز إدارة مخاطر السيولة لدى البنوك فرنسا ترسل سفينة عسكرية إلى سواحل لبنان احترازيا في حال اضطرت لإجلاء رعاياها الاتحاد الأردني لشركات التأمين يهنئ البنك المركزي الأردني بفوزه بجائزة الملك عبدالله الثاني للتميز عن فئة الأداء الحكومي والشفافية لعام 2024 فيديو || بدء التوغل البري في لبنان... قصف غير مسبوق بالمدفعية والدبابات على جنوب لبنان مع تمركز 100 آلية عسكرية على حدوده إعلان تجنيد للذكور والإناث صادر عن مديرية الأمن العام المستشفى الميداني الأردني غزة /79 يستقبل 16 ألف مراجع الخارجية: لا إصابات بين الأردنيين جراء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان الحكومة تقرر تخفيض أسعار البنزين 90 و95 والديزل لشهر تشرين الأول المقبل وفاة احد المصابين بحادثة اطلاق النار داخل المصنع بالعقبة الخبير الشوبكي يجيب.. لماذا تتراجع أسعار النفط عالمياً رغم العدوان الصهيوني في المنطقة؟ حملة للتبرع بالدم في مستشفى الكندي