أخبار البلد- حسني عايش
علّق على سقوط نحو مائة ألف من الطلبة في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، فقال: من اتّجر بالبصل أو بالسمك لا يشم رائحته. فقلت له: وما علاقة البصل أو السمك بالامتحان؟ فقال: لتكرار هذه النتيجة عاماً بعد عام، صارت الوزارة والناس جميعاً، مثل بائع البصل أو السمك، لا يحسون بها، ولا يتذمّرون منها، ولا يتفاعلون معها. صارت قدراً حتمياً يمر بسلام كل عام، مع أن أبناءهم وبناتهم تقدموا لامتحانات مدرسية: يومية، وأسبوعية، ونصف شهرية، ونصف فصلية، وفصلية، وسنوية، طيلة السنوات الاثنتي عشرة التي قضوها في المدارس، أي لأكثر من ألفي امتحان نجحوا فيها، وترفعوا بموجبها من صف إلى صف أعلى، وإذا بأكثر من نصفهم بعد ذلك، يرسب في امتحان الثانوية العامة التعيس، الذي يتم في بضعة أيام أو بضع ساعات كل عام، ومع هذا لا يندهشون ولا يهشون ولا ينشون.
إن وزارة التربية والتعليم الجليلة، كمن يقول للناس: إن الامتحانات المدرسية كاذبة بالثلاث: طلبة، ومعلمين، ومعلمات، وإدارة أو وزارة، وإن الامتحان العام الذي يقيس الذاكرة صادق صدق قول حذامة فصدقوه.
وأضاف: يرسب في الثانوية العامة (التوجيهي) في كل فصل أو عام مائة ألف طالب وطالبة، ولكنهم يغطون هذا العدد الضخم من الراسبين بالنسبة المئوية ليخففوا من هول النتيجة، فلا يذكرون عدد الراسبين في البيان. لو كان عدد المتقدمين عشرة لكان عدد الراسبين خمسة أو ستة، ولما اهتم كثيرون بالنسبة. وحتى لو حذفنا طلبة الدراسة الخاصة– وإن كان معظمهم من بقايا طلبة المدارس الراسبين في امتحانات سابقة – لظل عدد الراسبين مرتفعاً. وبابتلاع الناس نتائج الامتحان ينسون مئات ملايين الدولارات من القروض التي أنفقت على تطوير التعليم، وبخاصة منذ بداية عهد التطوير في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وإن جاء تقرير سابق للبنك الدولي ليعلمنا بما نعلم ونقدر (ونفاخر في الخارج)، وهو أن التعليم في الأردن أفضل من غيره في البلاد العربية، لكن المقارنة بالأسوأ تجعل السيئ يبدو أفضل، وأهله يتمسكون به.
والحقيقة أنه لم يحدث تقدم جوهري في التعليم، وبالتالي في التعلم، نتيجة في العقود الأخيرة، وإلا لتّم استحداث قياس تحصيل الطلبة بمقاييس أصدق من مقياس التوجيهي، وكان الهدف الأول للقياس تجويد التعليم أولاً بأول بعد تشخيص حالته عند كل متعلم أولاً بأول، أو ما تراجعت نتائج الامتحان العام (التوجيهي) سنة بعد أخرى. لقد كانت نسبة النجاح قبل التطوير أعلى. ويفترض بالتطوير أو يتوقع منه– في هذه الحالة– أن تصبح النسبة أعلى وأعلى (لأن مقياس التعلم لم يتغير وهو امتحان الثانوية العامة)، إلا إذا كان مفهوم التطوير أو التقدم التربوي بالعكس، وهو الترسيب وليس تكوين الشخصية والقيم والتفكير الناقد والتفكير المبدع... عند الطالب أو الطالبة، وإلمامه بما يجري في بلده والمنطقة والعالم من مشكلات وأخطار وتحديات، وهي مسائل لم يتحدث تقرير البنك عنها، أو يقف مطولاً عندها. وكأنه بتركيزه على جوانب أقل أهمية يريد أن يوحي للناس أن قروضه كانت وراء التحسن التربوي المدّعى.
وأضاف: لا نعلم عن وجود نسبة عالية جداً من الطلبة المعوقين عقلياً في المدارس، غير القابلين للتعلم والنجاح، لتكون نسبة النجاح منخفضة هكذا، ولكن المتقدمين للامتحان طلبة أسوياء قادرون على التعلم والنجاح في تعلم أي شيء عندما يُعلمونه بصورة صحيحة، كما يقول المربون. كما أن حجة الكم في التعليم مردودة عليهم، لأن التوسع في الكم أنجز من زمان، وجاء التطوير لتحسين النوع. هكذا ظلوا يقولون. لكن يبدو أن التطوير مسّ الشكل، ولم يمس الجوهر، وهو المعلم والمتعلم أو التلميذ والتلميذة. ولم يصل إلى عقله ونفسه وجسمه وشخصيته.
أعجب من هذا الشعب، الذي يثيره ارتفاع أسعار المحروقات أو البصل (مثلاً)، ولا يثيره رسوب عشرات الآلاف من أبنائه وبناته في الامتحان. وأرجو هنا أن لا يسيء القارئ فهمي، فأنا لا أدعو إلى التنجيح، بل إلى النجاح الجدير، مع أن إدارة الامتحانات تقوم بالتنجيح في مادة وأخرى ما خلا هذا العام.
إن نسبة النجاح المنخفضة في امتحان الثانوية العامة سنة بعد أخرى، دليل قوي على ضعف الكفاءة الداخلية في التعليم، وهي تحسب بنسبة الناجحين في امتحان الثانوية العامة، إلى عدد الطلبة أنفسهم، الذين التحقوا في الصف الأول الابتدائي، أي أنه إذا التحق بالصف الأول الابتدائي مائة طفل أو طفلة– مثلاً– وتابعناهم صفاً وراء صف، إلى نهاية المرحلة الثانوية أو نتائج امتحان الثانوية العامة، ووجدنا أن جميعهم وصل أو نجح فإن الكفاءة الداخلية، تكون عندئذ مائة في المائة. ولكنهم لا يصلون جميعاً بسبب الرسوب والتسرب (والوفاة) على مدى اثنتي عشرة سنة، أو لرسوب قسم كبير منهم في امتحان الثانوية العامة، مما يجعل نسبة الكفاءة الداخلية للتعليم تنخفض إلى عشرين أو إلى خمسة عشرة في المائة. وهي نسبة منخفضة جداً، ولا تعبر عن روح الشعب الأردني الوثابة إلى التعلم.
أما الكفاءة الخارجية للتعليم، فتقاس بمقدار ارتباطه بالحياة والعمل، هو مقطوع الصلة بهما، لأنه يتم داخل غرف صفية مغلقة، لا يحصل التلميذ الواحد أو التلميذة الواحدة فيها على دقيقة للكلام، في الحصة حتى إذا وزع المعلم وقتها بالقسطاس المبين على جميع التلاميذ. فما بالك إذا استحوذ المعلم أو المعلمة وبضع طلبة مفضلين على الكلام طيلة الوقت.
يرتبط التعليم بالحياة والعمل عبر الأنشطة، التي تتم خارج غرفة الصف، وخارج المدرسة أحياناً، وبدونهما قد يقضي التلميذ/ة اثنتي عشرة سنة دون أن يتكلم ولو لدقيقة واحدة. وفي ذلك لا تتنافس مدرسة مع أخرى في الامتحانات ومتطلباتها، فالتلاميذ يُعلّمون معلومات ويتعلمون معلومات، ثم يتذكرونها فينجحون أو ينسونها فيرسبون، ولا يتعلمون معرفة تبقى معهم طيلة حياتهم.
واختتم كلامه قائلاً: طالماً حيرني أمران: الأول: إلحاق المسؤولين الكبار في وزارة التربية والتعليم أبناءهم وبناتهم في المدارس الخاصة، بدلاً من إلحاقهم بالمدارس العامة، التي يشرفون عليها ويديرونها ويتحدثون عن التطوير المطرد فيها (إننا بحاجة إلى جهة لدراسة هذا الموضوع)، والثاني: تقدم طلبة مدارس وكالة الغوث وطلبة كليتها وجامعتها على بقية طلبة المدارس والكليات والجامعات الرسمية والخاصة، على الرغم من كثرة الطلبة في الصفوف وقلة الإمكانيات، فهل يعود ذلك لنوعية المعلمين والمعلمات والأساتذة والإشراف والإدارة؟ أي إلى الكفاءة والالتزام.
أكرر دعوة وزارة التربية والتعليم إلى التخلي عن التعليم المهني لمديرية التعليم المهني، وقصر نشاطها على التعليم العام دون تفريع، وأدعو مديرية التعليم المهني إلى تحويل مدارس هذا التعليم إلى مراكز للتعليم والتدريب.
وأخيراً، أتحدى أي أب أو أم، إن كان يعرف المعلم أو المعلمة المسؤولة عن تعلم طفله أو طفلته في مادة معينة، في المدارس الحكومية، ليسائلها أو ليراجعها ويتعاون معها. إنه لا يعرف فلا يعرف المسؤول عن تعلم طفله بسبب كثرة التنقلات وبخاصة في المرحلة الابتدائية.