أخبار البلد - لقد كان في القديم القريب، عندما يدخل رب الاسرة الى المنزل، يهب افراد الاسرة وفي مقدمتهم زوجته وابنائه صغارا وكبارا ليقبلوا يده، وليحيوه ويضموه بفرح وكأنه غاب عنهم الدهر كله ولكنه لم يغب سوى بضع ساعات قضاها بالعمل، ولم يكن هذا يحدث خوفا منه او تملقا ولكن كان ذلك يتم حبا فيه وتعبيرا عن حبهم له وتقديرا لجهوده وكده وتعبه في عمله لجلب قوت الاسرة ولضمان سعادة اسرته.
لكن الصورة المقابلة في زماننا هذا، هي نفسها تقريبا مع فروقات بسيطة منها انه عندما يدخل رب الاسرة ويلقي هو التحية على اسرته، فان ابنا له يبقى مستلقي رافعا قدميه فوق الكنبة وهو يلهو بالهاتف الخلوي، والابنة في زاوية اخرى من الصالة تكاد تخرج عياناها من جحرها وهي مستغرقة بمتابعة المسلسل التركي، والابن الاصغر يلهو بغرفته بلعبة البلاي ستيشن، والزوجة كالعادة مستغرقة على الهاتف في الحديث مع جارتها، ولكن يحاول رب الاسرة اقناع نفسه انه سمع احد ما قد رد عليه التحية ولكن ما حدث فعلا هو صدى صوته فقط.
ليس على صعيد الاسرة فقط، فقد كانت العلاقة ما بين العامل ورب العمل اعمق واكبر من مجرد رئيس ومرؤوس، فقد كان رب العمل اذا تغيب العامل ولو ليوم واحد، سارع في زيارته للاطمئنان عليه، ويحمل بيده (طلة) هدية بسيطة مكونة من كيس ورق بني اللون يحتوي على ثلاثة كيلو كعك قرشلة او اثنين كيلو تفاح بلدي لاهل بيت موظفه، وربما يقوم باكرامه ببعض المال ويعرض عليه ان يستريح ليوم او يومين آخرين عندما يكتشف انه مريض او مرهق.
اما في زماننا هذا فان رب العمل بالكاد يعلم الاسم الاول لاجيره وكثيرا ما يخطىء به، وبالطبع لايعلم عن حياته الخاصة شيئا لا من حيث ان كان متزوجا او اعزبا، وان تغيب عن العمل ليوم واحد فان اول ما يفكر به رب العمل هو ضرورة خصم اجرة اليوم عن الموظف وربما يومين لان التغيب بدون اذن ولن يكلف نفسه بالسؤال عنه حتى لو كان التغيب بسبب اصابة عمل او ارهاق بسبب العمل، واذا زاد التغيب عن مدة بسيطة فسيقرأ العامل خبر فصله بالصحف المحلية الرسمية بسبب التغيب هذا ان لم يقم رب العمل بمقاضاته ايضا للعطل والضرر الذي الحقه تغيبه بالعمل، كما ان الموظف المميز هو الذي يكاد ينام بالمكتب وينسى اهله وبيته، اما من يغادر مع نهاية الدوام فهو من المغضوب عليهم، وياويلك ياظلام ليلك لو اخطأت، فانت يجب ان تكون مثل تيفال لاتلصق ابدا، اي لاتخطىء ابدا والا فان جل غضب المدير سينصب عليك وكأنك لم تنجز شيئا جيدا بحياتك العملية، باختصار في زماننا هذا فان الوظيفة اصبحت نوعا جديدا من العبودية ليس الا.
اما على صعيد الشارع، فقد كنت عندما تسير بالحارة او في الشارع سمه كما شئت، فانك تعرف كل وجه تمر من قربه وتلقي التحية عليه، وتسأل احدهم عن نتيجة ابنه فلان بالثانوية، وعندما تمر على البقال تطمئن منه عن اوضاع ابنه المغترب وآخر تسأله هل صرفت له الزيادة السنوية ام بعد، نعم الى هذه الدرجة كنا نعرف بعضنا بنفس الحي ونعرف ادق خصوصيات الاخرين ليس فضولا او تدخلا ولكن كوننا كنا اسرة واحدة كبيرة نحرص على بعضنا البعض، ونقلق ونضطرب لاي طارىء يزعج احدنا ونقف معه حتى يجتاز من محنته ونخفف عنه قدر ما نستطيع.
ولكن الان، فاننا قد لانعلم اسم جارنا الذي يسكن بالشقة التي بابها يقابل باب شقتنا، وبالطبع لااعلم اسم اي احد ممن يسكن في نفس الشارع واسماء معظم من يسكن في نفس المبنى، وعندما نتفاجأ بصيوان عزاء بالشارع ونرى الاسم معلقا على عمود الكهرباء (عزاء آل فلان) وبالطبع هو من اهل نفس الحي او الشارع ، ولكن ذلك لايعنينا واكمل مسيري متجها لمنزلي مارا امام العزاء دون حتى ان القي التحية على من يقف على باب الصيوان كوني لااعرفهم ايضا.
اتساءل ما هذا الذي يحدث، وما هذا الذي حدث في زماننا هذا، ولكن سرعان ما تبادر الى خاطري بيتين من الشعر التي تنسب الى الامام الشافعي رحمه الله وهي:-
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
رائد شيكاخوا