قرّب ريتشارد كلارك، المستشار السابق في مكافحة الأرهاب لدى ثلاث من الإدارات الأميركية المتعاقبة، قرّب رؤية صُناع القرار في واشنطن وتسويق فهمهم إلى الرأي العام من خلال التعبير عن ضرورة التحالف الأميركي مع إيران لمقاومة العدو المشترك لهما، والمتمثل بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش .
كلارك في تصريحه نبه إلى أن الولايات المتحدة سبق لها وأن تحالفت مع الشيوعية خلال الحرب العالمية الثانية لقتال دول المحور المانيا وإيطاليا واليابان، واستناداً لذلك قال " إذا كنا نرى أن داعش هو العدو ومصدر الخطر على أمننا القومي، علينا العمل مع إيران حالياً وأن نفعل ذلك، وبالتالي إذا قررت إيران دعم الميليشيات الشيعية العراقية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، فعلينا أن نؤمن لهم الغطاء الجوي " .
كلام واضح إضافي يعرضه المستشار الأميركي السابق لمكافحة الإرهاب، كأرضية لتوجهات إدارة الرئيس أوباما وأولوياتها أو دعماً لخياراتها، مدللاً أين تكمن المصلحة الأميركية وبأي اتجاه تسير، وهو موقف يؤكد أن ريتشارد كلارك صاحب الخبرة والشريك الوظيفي في قلب مؤسسة صنع القرار الأميركي نحو التصدي للإرهاب ودوافعه وأدواته وضد من يقف معه ويغذيه، إنما يعبر عن هذه السياسة عبر هذا التصريح الواضح المعلن، والتوجه الأميركي هذا ليس حباً من طرف واحد، بل هو متبادل مع الإيرانيين، لأن إيران من جانبها لم تكن بريئة من التعامل مع الأميركيين والتعاون معهم في العديد من القضايا والعناوين بهدف الحفاظ على مصالحها وخدمتها، فقد أسهمت بالعمل على تقويض نظام الرئيس الراحل صدام حسين، ونفوذها لدى أحزاب ولاية الفقيه في العراق تم توظيفه لمصلحة جني ثمار سقوط النظام القومي السابق، وجلست توابعها من الأحزاب العراقية في سدة القرار بعد عام السقوط 2003، وورثوا السلطة في بغداد بالتنسيق المباشر مع الحاكم الأميركي بريمر، وكانوا المستفيدين الأوائل من رحيل القوات الأميركية بعد الاحتلال، لصالح تعزيز نفوذهم وسياساتهم وتوجيه العراق بما يخدم مصالح الدولة الإيرانية وإحتياجاتها، مثلما فعلت في أفغانستان حينما لعبت دوراً في خدمة مصالحها المشتركة مع الأميركيين في مواجهة القاعدة وحركة طالبان، وها هي الأن تعمل جاهدة للتوصل إلى اتفاق مع الأميركيين سيعزز من مكانتها ويفك الحصار عنها وتطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي عبر بوابة واشنطن، مقابل تجميد نشاطها النووي ومراقبته لمدة عشر سنوات .
خلال أيام تبدأ جولة المفاوضات الإيرانية الأميركية مع الأطراف الدولية ضمن مجموعة ( 5 + 1 )، ولمدة شهر استكمالاً لمسودة وأرضية الاتفاق الذي تم خلال شهر نيسان الماضي، وهي مفاوضات لن تنتهي إلا باتفاق، لأنه يعكس رغبة الطرفين وخياراتهما، مهما تعقدت المفاوضات وصعبت وواجهت من عراقيل، والتعقيد هنا والصعوبات تكمن في الشروط والتنازلات المتبادلة، وكلاهما لن يصل إلى معادلة الأبيض أو الأسود، الاتفاق أو عدم الاتفاق، بل كلاهما سيواجه الاستحقاقات المطلوبة له ومنه، وكلاهما لن يخرج خاسراً أو رابحاً، بل إن كليهما سيخرج باتفاق يحمل مضامين الربح والخسارة في نفس الوقت .
الرئيس أوباما في قمة كامب ديفيد مع قادة بلدان الخليج العربي، خرج بإحراز تفاهم مع الخليجيين بإزالة رفضهم أو تحفظهم على الاتفاق مع إيران ولو على مضض مقابل تقديم الضمانات الأمنية والتسليحية الكافية لهم، وهو ينتظر الاتفاق مع إيران كي ينتقل للعمل مع نتنياهو لتقديم الضمانات والرشوة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، كي يقبل الاتفاق ولوعلى مضض كما فعل الخليجيون، ونتنياهو يرفع من سقف معارضته لخيار واشنطن، كي يرفع من سقف مطالبه الابتزازية من الرئيس أوباما، ولكن الاتفاق سيمر لأنه رغبة أميركية ويعكس الخيار والمصلحة الأميركية .
h.faraneh@yahoo.com