بعد أن انتهت خدمة رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا د. عبد الله الملكاوي، ستنتهي خلال الأسابيع القليلة المقبلة مدة رئيسين من رؤساء الجامعات الرسمية أيضاً، وستنتهي بعد ذلك مدة خدمة كل رئيس جامعة رسمية، فالفقرتين (أ) و (ب) من المادة (12) من قانون الجامعات الأردنية تقضيان بأن يكون لكل جامعة رسمية رئيس متفرغ لإدارتها يعين لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة ويشترط أن يكون أردني الجنسية واشغل رتبة الاستاذية، ويعين رئيس الجامعة الرسمية بإرادة ملكية سامية بناء على تنسيب مجلس التعليم العالي.
وإذا كان مجلس التعليم العالي هو من يقرر التنسيب بتعيين رئيس الجامعة الرسمية، فما هي المعايير التي على أساسها يختار المجلس هذا الشخص ويستبعد غيره؟؟؟ وهل هذه المعايير والأسس موضوعية وعلمية وتتسم بالشفافية والنزاهة؟؟؟ أم أن الأمور تجري على أسس الهوا والشخصنة والواسطة والمحسوبية؟؟؟
لقد بينت الدراسة التي أعدها مركز إحقاق للدراسات والاستشارات أن وظيفة رئيس الجامعة الرسمية في الأردن تعتبر من الوظائف العامة في الدولة، ويعتبر من يشغل هذه الوظيفة موظفاً عاماً.
وقالت الدراسة: إن الدستور الأردني قد أكد في المادتين (6/1) و (22) على أن حق التعيين والمنافسة على هذه الوظيفة العامة هو حقٌ دستوري للمواطنين الأردنيين بشكل عام، ويقضي هذان النصان الدستوريان بوجوب أن يتم اختيار من يُعيَّن في هذه الوظيفة العامة على أساس الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية، ووجوب أن يتساوى المواطنون الأردنيون في حقهم الدستوري في التعيين على هذه الوظيفة العامة والمنافسة عليها.
تنص المادة (6) من الدستور على ما يلي:
(الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين).
والمادة (22) على ما يلي:
(1- لكل أردني حق في تولي المناصب العامة بالشروط المعينة في القانون او الأنظمة.
2- التعيين للوظائف العامة من دائمة ومؤقتة في الدولة والادارات الملحقة بها والبلديات يكون على اساس الكفايات والمؤهلات).
ومما لا شك فيه أن المساواة والعدالة لا تتحقق بين المواطنين الأردنيين الذين تتوافر فيهم شروط هذه الوظيفة إلا بالإعلان عن الحاجة للتعيين على هذه الوظيفة العامة وفتح باب الترشيح والمنافسة وتقديم طلبات التوظيف من قبل كل من يجد في نفسه الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية لشغل هذه الوظيفة العامة وفق الشروط والمهام المحددة بهذه الوظيفة العامة، وأن يتم دراسة هذه الطلبات من قبل لجنة تقييم خاصة تعمل على أسس علمية وموضوعية وحيادية وشفافة للتنسيب للمرجع المختص بالتعيين باسم الاقدر والأجدر لتولي هذه الوظيفة العامة على أساس الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية.
إن المادة (22) من الدستور تقضي بأن التعيين على المناصب والوظائف العامة من دائمة ومؤقتة هو حق لكل أردني وفق الشروط المعينة في القانون أو الأنظمة، وتقضي أيضاً بأن يكون التعيين على هذه المناصب والوظائف العامة على أساس الكفايات والمؤهلات.
وبالتالي فإن مقتضيات تطبيق هذا النص الدستوري الذي يسمو على القوانين والأنظمة توجب أن يكون التعيين في الوظائف العامة على أساس الكفايات والمؤهلات من أجل اختيار الأكثر كفاءة والأعلى تأهيلاً من أصحاب الحقوق في التعيين من بين المواطنين الأردنيين، وهذا بكل تأكيد لا يتحقق إلا بأن يقوم المرجع المختص بالتعيين بالإعلان عن الوظيفة الشاغرة وأن يتضمن هذا الإعلان المهام المنوطة بهذه الوظيفة والشروط الواجب توافرها فيمن يشغل هذه الوظيفة، وأن يكون باب الترشيح والمنافسة وتقديم الطلبات حقاً لكل مواطن أردني يجد في نفسه الكفاءة والأهلية والقدرة على شغل هذه الوظيفة والتعيين عليها، وأن يتم استقبال هذه الطلبات ودراستها من قبل لجنة متخصصة قادرة على تقييم طلبات التوظيف على أسس موضوعية وعلمية ونزيهة وشفافية وتعمل هذه اللجنة على تنسيب الأفضل والأكفأ والأكثر تأهيلاً ليقوم المرجع المختص بالتعيين بتعينه لينهض بواجبات ومهام الوظيفة باقتدار ليحقق المصلحة العامة بأمانة ومسؤولية.
وبذلك يَتَبَيَّن أن مخالفة أحكام المادة (22) من الدستور ومقتضياتها، ومخالفة أحكام المادة (7) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها الأردن والتزم بأحكامها تؤدي بالضرورة إلى هدر حقوق المواطنين الأردنيين الدستورية والأممية وتحرمهم من حق المنافسة والترشح وحق تقديم طلبات التوظيف على هذه الوظيفة العامة، وتجعل التعيين على هذه الوظيفة على هذا النحو أساسه شخصي، وليس أساسه موضوعي وعلمي تتوافر فيه مبادئ ومتطلبات النزاهة والشفافية.
أي أن التعيين بدون فتح باب الترشيح والمنافسة وتقديم طلبات التوظيف ووجود تنسيب من لجنة متخصصة قادرة على تقييم طلبات التوظيف على أسس موضوعية وعلمية ونزيهة وشفافية كما يقضي الدستور واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بحيث تعمل هذه اللجنة على تسمية الأفضل والأكفأ والأكثر تأهيلاً لينهض بواجبات ومهام هذه الوظيفة باقتدار من أجل تحقيق المصلحة العامة بأمانة ومسؤولية، هو عمل مخالف لأحكام الدستور ومخالف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومقتضياتهما.
وعليه يتبيَّن بأن الطريقة التي يتم بها تعيين رئيس الجامعة الرسمية بموجب المادة (12) من قانون الجامعات هي طريقة غير موضوعية وغير علمية ولا تتوافر فيها مبادئ الشفافية والنزاهة والحياد والكفاءة، وإنما هي طريقة تعزز الشخصنة والمحسوبية والشللية والفساد؛ فباب الترشيح والمنافسة على هذه الوظيفة العامة موصد بموجب القانون الذي يخالف أحكام الدستور وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على نحو ما قد تم بيانه تفصيلاً.
ولا يفوتنا في هذه الدراسة أن نذكر بمنطوق القرار التفسيري رقم 2 لسنة 2014 الصادر عن المحكمة الدستورية الذي
لقد جاء فيه ما يلي:
(..... وقد بَيَّنَت المادة (120) من الدستور أن كيفية تعيين الموظفين وعزلهم أو الاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وما ذلك إلا تكريس لاستقلال السلطة التنفيذية وحفاظ على ارتباط الموظف بها، فهي التي تصدر الأنظمة التي تحدد المركز القانوني للموظف بدءاً من القواعد التي تحكم تعيينه بالوظيفة العامة وانتهاءاً بالكيفية التي تنتهي فيها وظيفته بالعزل أو التقاعد أو الوفاة أو بغير ذلك، وهي التي تحدد حقوقه المالية وأبرزها تحديد راتب دوري له في مقابل تفرغه التام للعمل الوظيفي وعدم ممارسة أي عمل آخر .....)
وبتطبيق مقتضى قرار المحكمة الدستورية التفسيري هذا يتبين لنا بشكل واضح وجلي أن نص المادة (12) من قانون الجامعات الأردنية هو نص قانوني باطل لمخالفته أحكام المادة (120) من الدستور.
وفي ختام هذه الدراسة نوصي الجهات التشريعية التي تُعنى بإنشاء التشريع بضرورة تعديل الأحكام الخاصة بتعيين رئيس الجامعة الرسمية للتوافق مع أحكام الدستور الأردني واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتكون خاضعة لمبادئ وأحكام الشفافية والنزاهة والحياد والموضوعية والكفاءة، كما نوصي مؤسسات المجتمع المدني الرقابية الرسمية والأهلية التي تُعنى بالشفافية والنزاهة والحوكمة ومحاربة الفساد بمتابعة هذا الموضوع المهم مع الجهات ذات العلاقة بتعزيز منظومة الشفافية والحوكمة الرشيدة.