تتسارع الأخبار والإشاعات، وتتوالى قوائم المرشحين في نقابة الأطباء وكأننا أمام الانتخابات البلدية أو البرلمان فألوان قوس قزح لا تكفي لتغطية اعلانات المجموعات المرشحة ، وهذا ما اعتدنا عليه منذ عشرات السنين فالنقابة كانت الموقع الأول للتعبير عن الآراء السياسية في فترة ما قبل التسعينات ، وفي تلك الحقبة كنا نتفهم الوضع ، ولكننا الآن نعيش في بلد ديموقراطي له برلمان منتخب ، والأحزاب السياسية والمواطنون يمارسون حقهم الديموقراطي بشكل علني وبدون تدخل ، بل إن الدولة والحكومة تحرص بشكل دائم على صيانة الديموقراطية وتأمين النزاهة والشفافية لمجرى الانتخابات في المملكة وخاصة النقابية ولا تتدخل في شؤونها ، بل و تعطي النقابة حيزا كبيرا في الدفاع عن حقوق أعضائها أكثر من الدول التي سبقتنا بالديموقراطية مثل أمريكا وأوروبا.
ما يلفت نظري هو أن بعض هذه العقول المتعلمة من معظم النقابات المهنية والتي تحمل شهادات جامعية محترمة لا يتمركز طرحها واهتماماتها على المسائل المهنية، بل نشعر بتحالفات مبنية على قواعد سياسية إسلامية يسارية أو قومية، فهؤلاء الزملاء الذين يطمحون لمواقع قيادية في مجلس النقابة ويرغبون في الحصول عليها عبر تحالفات سياسية لا يوجد لديهم برامج مهنية لمراقبة المهنة وتطويرها، وعند انتهاء كل دورة يبدأ الصراع على كرسي السلطة بالنقابة من جديد.
إن مهنة الطب تعد من المهن الصعبة وتنظيم العمل بها له أولوية مقدسة، وللأطباء مطالب مهنية ومطالب أخرى لم تقم أية قيادة نقابية بتحقيقها حتى الآن، والمخجل في الوضع الحالي أنه لا يوجد من يتجرأ على الخوض في المطالب المهنية في برنامجه، وإذا طُرِحتْ فإنها تطرح بشكل خجول أو مبطن ، لأن الذين يقدمون على الانتخابات هم المتصارعون السياسيون فقط، أما الغالبية العظمى فتحجب عن المشاركة ، لأنها وصلت لمرحلة متقدمة من الإحباط من نتائج عمل النقابة المهني.
انني كطبيب أشارك مشاركة منتظمة في انتخابات نقابة الأطباء الألمانية ،حيث تتم الانتخابات هناك عبر البريد الورقي ، وتشرف الدولة على نزاهتها ، مما يفسح المجال لمشاركة عدد أكبر من الأطباء، وأود أن أذكر هنا مثالاً قد يهم البعض ، وهو أن مخزون صندوق التقاعد في جمهورية ساكسونيا الألمانية للأطباء (عدد سكان الجمهورية 6 ملايين نسمة، وعدد الأطباء 15.200 طبيب) بلغ في عام 2012 حوالي 2.26 مليار يورو، والطبيب البالغ من العمر 55 سنة حالياً سيكون تقاعده الشهري 4200 يورو شهرياً في عام 2024، إذن أيــن نحـن ؟! وماذا فعلت المجالس المتعاقبة لتقاعد أطبائنا الأردنيين؟ فقط مثال بسيط
أن سوء إدارة شؤون النقابة من الناحية المهنية ، وضعف صندوق التقاعد، والنسبة العالية للأطباء المفصولين تجعلنا نستنتج بأن مجالس النقابة السابقة أولت اهتمامها لأمور سياسية ، ولم تجد متسعاً من الوقت للاهتمام بهموم أعضائها، و هذا لا يفقد الأطباء حقهم بأن يكون لهم رأي سياسي ، ولكن يجب تغليب هموم المهنة على أي اعتبارات أخرى.
ولم نلحظ للنقابة أي دور في وضع الأسس التعليمية لتطوير هذه المهنة، ومراقبتها ومواكبة التطور في المجال الطبي ، ناهيــك عن انعدام دورها في تطوير البحث العلمي، وللأسف نجد أن النقابة ليست المرجعية الأكاديمية الأولى للقضاء الأردني عند وجود خلافات أو قضايا قضائية طبية كما هو الحال في الدول الأكثر تقدمـاً.
إذا أردنا نقابة حقيقية فعلينا أولاً ألا نسمح بدخول الألوان السياسية إلى نقابتنــا، فمكان هذه التيارات هو المسارح السياسية وليست النقابية ، وعلى الأطياف السياسية أن تفسح المجال لمؤسسات المجتمع المدني بأخذ دورها وعدم سلب حقها في الدفاع عن أعضائها وعدم التدخل في شؤونها، وذلك لأن الأطياف السياسية للأسف تتمتع بازدواجية المعايير فهي ترفض تدخل الدول في شؤون مؤسسات المجتمع المدني وتسمح لنفسها بالتدخل وحرف مسار هذه المؤسسات عن واجباتها المهنية....حمى الله الأردن وبارك شعبه.