أخبار البلد - د. طلال الشرفات
في ظل تنامي الاهتمام الدولي في مكافحة غسل الأموال جاء قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006 وتعديلاته والذي جاء في المادة الخامسة منه على شمول جرائم غسل الاموال في منظومة الجرائم التي تتصدى لها الهيئة بموجب احكام القانون.
واختصاص الهيئة في هذا الإطار يعني أن تختص حصرياً في التحقيق والاحالة ولا يجوز لأي جهة الاحالة المباشرة للقضاء دون المرور بهيئة مكافحة الفساد ومباشرة اجراءات التحقيق الاولي وعرضها على مجلس الهيئة وهو ما ينسجم مع الاعتبارات القانونية وأعمال قواعد التفسير من جهة والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد من جهة أخرى.
لقد ورد في قانون مكافحة غسل الاموال رقم (46) لسنة (2007) اختصاص وحدة مكافحة غسل الأموال في التحقيق والاحالة للقضاء ولكن المشرع أراد في التعديل الذي اجراه على قانون هيئة مكافحة الفساد بموجب القانون المعدل رقم (16) لسنة 2014 سلب الاختصاص من وحدة مكافحة غسل الاموال واسنادها إلى هيئة مكافحة الفساد باعتبارها الجهة المخولة بذلك وفقاً للاتفاقية الدولية.
والاعتبارات التي تدفعني لهذا القول تكمن في ضرورة تجديد مرجعية واحدة للتعامل مع قضايا الفساد، لاسيما وان غسل الاموال من اكثر الجرائم ارتباطاً بالفساد والتصاقاً به، بل أكثر من ذلك فان جرائم غسل الاموال تعتبر من أهم عناصر توفير البيئة الحاضنة لجرائم الفساد الاخرى والجريمة بشكل عام وتؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في كافة الدول.
وحدة مكافحة غسل الاموال جهة مهمة واساسية لاستكمال التحقيق والاحالة بحكم خبرتها وقدرتها الفنية وصلاحياتها القانونية في تتبع الودائع والارصدة والحوالات وبشكل يتوافق مع المعايير الدولية في السرية المصرفية، وهي خبرة اساسية للإسهام في مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب.
وحتى اذا اخذنا بعين الاعتبار ان كلاً من قانون هيئة مكافحة الفساد وقانون غسل الاموال قانون خاص فإن القاعدة العامة في التفسير ان القانون اللاحق أولى بالتطبيق من القانون السابق لأنه يعبر عن الارادة الضمنية للمشرع في تطبيق القانون اللاحق في الاصدار.
وحدة غسل الاموال واحدة من الجهات التي تعتقد انها تملك الحق في احالة قضايا غسل الاموال والفساد الى النيابة العامة مباشرة بل ثمة جهات اخرى يتوجب ان تدرك ان احالة القضايا المتعلقة بالفساد والمنصوص عليها في قانون الهيئة ليست خياراً بل انسجاماً مع نية المشرع في توحيد مرجعية التحقيق الاولي في جهة واحدة والتزاماً بمضامين الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والتي تضمنت بشكل واضح هذا المفهوم.
كافة الجهات الرقابية والادارية التي تضع يدها على شبهات الفساد لها الحق في استفتاء ديوان التشريع والرأي كمشورة يمكن أن تحدد لها ملامح الاجراءات التي يتوجب عليها القيام بها في هذا الصدد وكذلك ديوان تفسير القوانين الذي يحدد بشكل حاسم تفسير النصوص ونية المشرع عند اصدار القانون او تعديله.
بقي أن اقول أن المسؤولية الوطنية ومبادئ العدالة والانصاف تقتضي حسم مسألة ازدواج الاختصاص بالإحالة في قضايا الفساد وهي فرصة مواتية للتمني على الشرع بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يعطي النيابة العامة حق تحريك دعوى الحق العام بمجرد الاخبار واستثناء قضايا الفساد فليس المقصود هو تقليص صلاحيات النيابة العامة بقدر الضرورة في إعطاء التحقيق الاولي في قضايا الفساد المدى الملائم في جمع الادلة زمنياً وفنياً للإسهام في تقليل مخاطر الفساد ومكافحة الجرائم.
عضو مجلس هيئة مكافحة الفساد