أخبار البلد - محمد ابو رمان
خطوة ممتازة تلك التي قام بها أمين عمان، عقل بلتاجي؛ إذ أعلن أنّ المحاسبة على مخالفة الكاميرات التي شيدتها "الأمانة" مؤخراً، في العديد من المواقع، لمراقبة مخالفات السير، ستبدأ من تاريخ اليوم 23/3، وستعد المخالفات السابقة لاغية، كان الهدف منها التجريب وتثقيف الناس بالخطوة الجديدة ومعانيها، ومواقع الكاميرات الجديدة.
بصراحة، لا أجد سبباً مقنعاً لدى كثير من المواطنين للاحتجاج على كاميرات المراقبة. فالذريعة التي نسمعها من كثير من الناس، بأنّ الهدف منها الجباية، هي ذريعة ضعيفة وواهية، ولا تقارن بحجم الخطر المتمثل في نسبة الضحايا والكوارث المرتبطة بحوادث السير؛ إذ يعدّ الأردن من أعلى الدول في العالم بنسبة حوادث السير!
منذ أعوام والحكومات تحاول الحدّ من حوادث السير، بلا فائدة حقيقية؛ فالمتوسط العام ما يزال مرتفعاً، ونتحدث عن آلاف الإصابات والوفيات في كل عام.
ربما يتذكر كثير من المواطنين الاجتماعات الدورية والإحصاءات التي كان يعلنها رئيس الوزراء الأسبق، نادر الذهبي، في لقاءاته مع الإعلاميين، بشأن جهود التغلب على هذا الحجم الكبير من الحوادث. لكن النتائج، بالرغم من تلك الجهود المبذولة، لم تكن نوعية، ثم عادت الأمور إلى ما كانت عليه.
لا يوجد خيار آخر للحدّ من السلوك غير المنضبط والمخالفات الهائلة إلاّ عبر تشديد العقوبات والمراقبة، لتكريس الثقافة الجديدة. ليس ذلك فحسب، بل من الضروري أيضاً التشدد في العقوبات غير المالية أيضاً، وتحديداً تجاه المخالفات الخطرة التي تنجم عنها حوادث قاتلة على الطرقات.
ويكفي النظر إلى بعض الأرقام المترتبة على حوادث السير في الأردن، لنكتشف أنّنا نخوض حرباً حقيقية أخطر من الحرب على الإرهاب بآلاف المرّات، في حيثياتها ونتائجها. فالأردن من أعلى دول العالم في حوادث السير، سواء على صعيد العدد أو الإصابات والوفيات.
في إحصاءات المعهد المروري، نجد أنّ العام 2013، مثلاً، شهد 107846 حادثاً، نجم عنها 768 وفاة، و15954 إصابة. وهي نسبياً أقل قليلاً من الأعوام السابقة، وتحديداً العام 2011؛ إذ وقع 142588 حادث سير وهو رقم قياسي، لكن عدد الوفيات فيه بقي أقل من 2013، فبلغ 694 حالة، فيما بلغ عدد الإصابات رقماً قياسياً أيضاً، هو 18122 حالة!
ونجد أنّ العام 2007 هو الأعلى في عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير؛ إذ وصل إلى 992 وفاة، فيما العام 2012 في المرتبة الثانية بـ816 وفاة. أما على صعيد عدد الحوادث اليومية، فقد شهد العام 2013 معدل 295.5 حادث يومي، وفي 2012 كان هذا المعدل 309.1 حادث، فيما بلغ 390.7 حادث في العام 2011.
من يقارن العقوبات المترتبة على المخالفات في الأردن، بأوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية أو أي دولة في العالم تحترم القانون والنظام، سيجد أنّها مخففة عندنا، سواء على صعيد الغرامات المالية أو حتى العقوبات الأخرى. وذلك، بحد ذاته، سبب رئيس ومباشر لحالة عدم المبالاة وغياب الاكتراث من قبل المواطنين والسائقين إزاء الوقوع في المخالفات والاستهتار بالقيادة، ما يؤدي إلى حجم كبير من الحوادث والكوارث الإنسانية المترتبة على ذلك.
للجباية؟! فليكن. عقوبات مشددة؟! هي كذلك. لكن في النتيجة، لا بد من بناء ثقافة جديدة تحدّ من حالة الاستهتار الحالية ومن اللامبالاة. وهذه الثقافة تبنى عبر احترام القانون والأنظمة، ثم تتحول إلى سلوك يومي، فلا يحتاج الإنسان بعد ذلك إلى رقيب فوق رأسه ليضع حزام الأمان، ولا إلى النظر فيما إذا كان هنالك شرطي موجود كي يصطف بطريقة خاطئة أو يتفنن في تحاشي الكاميرات على الطرق. ولو كان لديكم طريقة أخرى أفضل، فأنقذونا بها!