إعلان بوزنان:نشر الأخلاق ومكافحة الفساد في «التعليم العالي»

إعلان بوزنان:نشر الأخلاق ومكافحة الفساد في «التعليم العالي»
أخبار البلد -  
أخبار البلد -  ا.د. عاهد الوهادنة

في هذه المقالة ألخص ما كتبه ماركوس تانينبرغ من معهد جودة الحكومة السويدي حول «إعلان بوزنان»، وهو إعلان يهدف إلى دمج الأخلاق ومكافحة الفساد في «التعليم العالي» وكذلك الوثيقة التي أعتمدت بالإجماع في أيلول 2014 من قبل الجامعات الأعضاء في مجموعة كومبوستيلا للجامعات والبالغ عددها سبع وستون جامعة تمثل خمساً وعشرين دولة.وبوزنانهي مدينة في غرب وسط بولندا.


مقدمة
تتلخص التحديات الرئيسة في العالم في كيفية تعزيز الحكم الرشيد والسلوك الفردي الأخلاقي وكيفية تجنب الأعمال السيئة، والآثار الضارة على الصحة والتنمية والمجتمع ككل.
وهناك عدة أسباب لخلق هذه التحديات:
أولا: المجتمعات التي يحكمها الفساد والأعراف غير الاخلاقية-توفر أرضاً خصبة للأزمة الإقتصادية. في الواقع الكثير من الابتكارات المالية السابقة للأزمة المالية في عام 2008 كان سببها «ابتكار طرق أفضل للإحتيال على الآخرين والتلاعب بالأسواق دون الوقوع في يد العدالة.
ومهما كانت الأسباب الكامنة وراء الأزمة الاقتصادية والمالية، فإن العديد من الحكومات تتفاعل مع ذلك من خلال إدخال تدابير التقشف. إن مزيج من الأزمة والتقشف من المرجح أن تضخم البطالة والفقر وعدم المساواة، والتي بدورها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، قد تؤدي إلى زيادة معدلات الاعتلال والوفيات والمعاناة الإنسانية وبالإضافة الى ذلك، فإن تدابير التقشف كثيراً ما تصيب الناس الذين ليس لهم علاقة بالأسباب.
وتلخص السلسلة السببية من الأحداث على النحو التالي:
المعايير المختلة، السلوك الفاسد، الأزمة الاقتصادية، تدابير التقشف، البطالة والفقر والظلم، وارتفاع عدم المساواة، تآكل الثقة الاجتماعية، الخلل المجتمعي، المرض والوفيات
ثانيا: بأي حال من الأحوال فإن إختلال المعايير لا يولد قلقاً للإدارة في القطاع المالي فقط، بل يؤثر على مختلف القطاعات والمجتمع ككل. وعلى الصعيد العالمي، يعتبر الفساد من العقبات الرئيسة للاقتصاد. ويكلف الفساد الإقتصاد في الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وحده، تقريبا 120 مليار يورو سنوياً.
ثالثا: بصرف النظر عن التكاليف المالية المباشرة للفساد، سواء الفساد الصغير أوالكبيرفإنه يؤدي الى تآكل ثقة المجتمع ويساهم في تعزيز المعايير المختلة وظيفياً. ولأن هناك حاجة لثقة المجتمع لتقبل القرارت الحكومية، كوسيلة لتمويل نفسها، من خلال جمع الضرائب. فثمة من يقول إن القضية الأساسية بالنسبة للبلدان التي تعاني من الأزمة الاقتصادية التي طال أمدها في كثير من الأحيان ليس الإنفاق المفرط بل عدم قدرة الدولة على تحصيل الضرائب من سكانها (وخاصة الاغنياء منهم) بشكل كاف!. في حين أن المشكلة تبرز أكثر حدة في بعض البلدان، ولكنها موجودة في دول اخرى عديدة. ففي الولايات المتحدة، يصل الفرق السنوي بين ما على دافعي الضرائب وما دُفع فعلاً( الفجوة الضريبية) 385 بليون دولار. وفي السويد تبلغ الفجوة الضريبية السنوية إلى 133 مليار كرونة سويدية. علما أن السويد ينتمي إلى مجموعة صغيرة نسبياً من البلدان الأوروبية الشمالية الذين يقيمون عالياً في نوعية الحكومة، والثقة الاجتماعية، ورأس المال الاجتماعي والرعاية الإجتماعية للسكان-وإنخفاض في الفساد، والخلل الوظيفي الحكومي، ومعدلات الاعتلال والوفيات المبكرة. فحتى في النظم ذات السلطات الضريبية المتقدمة فان هناك طرق لعمل ثغرات ضريبية.

كيف نصل إلى المرحلة المطلوبة؟
معالجة «الأسباب وراء الأسباب»
منذ ظهور جدول الأعمال لمكافحة الفساد في منتصف عام 1990، ظهرت مجموعة واسعة من التقارير والإتفاقيات، والتشريعات، تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة، مثل اتفاقية مكافحة الرشوة (منظمة التعاون والتنمية )، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وآخرها تقرير مكافحة الفساد في الإتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من الإجراءات واسعة النطاق للإصلاحات ومكافحة الفساد، إلا ان 21 دولة فقط تمتعت بإنخفاض كبير في مستويات الفساد منذ عام 1996، بينما في الوقت نفسه أصبحت 27 دولة أسوأ حالاً.
لبدء مواجهة سلسلة من الأحداث السلبية، نحن بحاجة إلى فهم «الأسباب وراء الأسباب»، أي محددات السلوك الفاسد أو المعادي للمجتمع المساهمة في تطور الأزمات الاقتصادية. مع هذا الفهم، سوف تصبح المجتمعات أكثر قدرة على القضاء أو على الأقل مواجهة هذه المحددات. في التصدي للفساد هناك حاجة لإتباع منهج متعدد وشامل، بما في ذلك تدابير عقابية، والشفافية، وحماية المبلغين عن المخالفات. ولتفعيل ذلك يجب أن تكون هناك إرادة لمعالجة أسباب السلوك الفاسد. وإذا لم تتوفر هذه الإرادة، وعندما يكون الفساد هو السلوك المتوقع، فمهما كانت الإجراءت ممتازة-سوف يسود الفساد.
جزء واحد من هذا النهج المتعدد المذكور في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، هو برامج توعية عامة تتضمنها المناهج والخطط المدرسية والجامعية، والتي تسهم في «عدم التسامح مع الفساد». اليوم، العديد من المدارس تعمل على نطاق واسع لتعزيز القيم الأساسية للطلبة الأصغر سناً، وبعد ذلك في حياتهم العملية كموظفين، وغالباً ما يتعرض الناس لمدونات قواعد السلوك في شكل معين أو آخر. بينما بالطبع هذا ليس هو الحال بالنسبة لجميع المدارس والجامعات ولا جميع أماكن العمل بعد.

ماهو إعلان بوزنان؟
ذُكر في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أنه يجب تعميم المناهج والخطط الدراسية في الجامعات التي تسهم في «عدم التسامح مع الفساد» باعتبارها عنصر واحد في نهج نظام متعدد لمكافحة الفساد. ومع ذلك، ورغم اعتبار الفساد -على نحو متزايد-من العقبات الرئيسة أمام الديمقراطية الحقيقية، والنموالاقتصادي ورفاه الإنسان، فأنه نادراً ما يتم الأهتمام بمكونات المناهج والخطط الجامعية في هذا الإتجاه.
هذا الإدراك، مع وجود عواقب مالية وإقتصادية وصحية نتيجة للفساد، حفزت فكرة مبادرة تهدف إلى دمج ونشر مفاهيم الأخلاق ومكافحة الفساد في التعليم العالي. تجسد هذا، من خلال التصديق على إعلان بوزنان من قبل 67جامعة من مجموعة جامعات كومبوستيلا، وبعد ذلك من قبل إتحاد الجامعات العالمية، والأكاديمية العالمية للفنون والعلوم، ومؤخراً أيضا من قبل منظمة الشفافية الدولية. ويتضمن الإعلان دعوة مؤسسات التعليم العالي للانضمام للحكومات ولقطاع الأعمال والمجتمع المدني في الحملة العالمية لمكافحة الفساد - وقد حان الوقت للقيام بذلك.
وعلى الرغم من تنفيذ واسع النطاق للإصلاحات ومكافحة الفساد، فإن تغييرات كبيرة في مستويات الفساد تتطلب فترات زمنية طويلة للقضاء عليه. ولإتباع نهج ناجح لمنع الفساد وآثاره الضارة، فمن المرجح أنه، بالإضافة إلى إجراءات مؤسسية عقابية، فإننا نحتاج أيضاً إلى فهم ومعالجة الأسباب الأساسية للسلوك الفاسد أو غير القانوني أو المعادي للمجتمع.
الخطط الدراسية في التعليم العالي تفتقر عادة إلى المكونات التي من شأنها أن تسهم في عدم التسامح مع مثل هذه التصرفات. على العكس من ذلك، قواعد الخداع والمصالح الذاتية الضيقة تسود في العديد من الجامعات، وهذه القيم تتبع الطلاب في حياتهم العملية. يمكن القول إن القضية الرئيسة هي نظم القيم الموجود حالياً، ومنها الممارس في القطاع المالي مثلاً، ولكن يمكن للجامعات أن تسهم في خلق هويات مهنية رافضة للسلوك الفاسد وغير الاخلاقي، قد يؤثر فينظم القيم القائمة ويقلل من السلوكيات الفاسدة واللاخلاقية.إنها ليست فقط في قطاع الاقتصاديين ولكن كذلك وعلى سبيل المثال، المهندسين الذين غالباً ما يكونون مسؤلوون عن المشتريات العامة، وكذلك العاملين في حقول العلوم السياسية والاقتصاد إذ من المرجح أن تواجهم قضايا فيها تضارب للمصالح ويتعرض قرارهم لجماعات الضغط، وقد يُطلب من الأطباء الترويج لبعض الأدوية على حساب غيرها، وما إلى ذلك، وهذه بعض المجالات التي يجب أن تُستحضر فيها الإعتبارات الأخلاقية والمهنية بقوة.
يعكس التأييد الكبير لإعلان بوزنان أن هناك أسباب وجيهة للتعليم العالي لتولي هذه التحديات. ولكن حتى مع توفر الدعم لذلك، فان هنالك صعوبات متصلة بالتنفيذ. على سبيل المثال، بسبب طبيعة الإستقلال الأكاديمي، فإن الوصول إلى إدارات الجامعات لن يكون كافياً. ومع أخذ ذلك في الحسبان، فإن الهدف من ذلك هو عدم تقديم مجموعة جاهزة من المعايير الأخلاقية، وإنما لإلهام اعضاء الهيئة التدريسية، بحيث يستطيعوا هم أنفسهم دمج معايير الأخلاق ومكافحة الفساد في الخطط الدراسية وخلال التدريس كيفما يرونه مناسبا.
بالتعاون مع العديد من الشبكات الجامعية، وكذلك مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والمبادرة الأكاديمية لمكافحة الفساد والجريمة، فإننا نهدف إلى تسهيل تبادل المناهج والخطط وأفضل الممارسات ومشاركتها بين المدرسين. ورغم أن البعض ضد إضافة مكونات اضافية إلى المناهج والخطط المزدحمة اصلاً، إلا أنه يجب إدراك أن لذلك آثاراً ايجابية اضافية، ويمكن القيام به دون إضافة أعباء إضافية على المناهج من خلال دمجها ضمن المواد الموجودة بالفعل. قد يقال، ليست هناك حاجة إلى إعادة اختراع العجلة ولكن ينبغي أبراز أنناكما نجحنا إلى حد كبير في تعميم الإهتمام بالقضايا البيئية,فان الشيء نفسه يمكن القيام به عندما يتعلق الأمر بعدم التسامح مع الفساد.
وعلاوة على ذلك، ومن نظرة سوق العمل, فإن هنالك حاجة كبيرة لتعميم الأخلاق ومكافحة الفساد في التعليم العالي. اذ يزداد طلب الحكومات والشركات والمجتمع المدني على حد سواء على الخريجين القادرين على حل المعضلات الأخلاقية والتفكير النقدي ولكن»العرض اقل من الطلب».
للتأكد من أن التدريس لا يقع على آذان صماء، يجب على الجامعات ضمان أن سياساتها الخاصة لمنح الدرجات العلمية، والتوظيف والترقية تقوم كلها على معايير شرعية وقانونية وشفافة وموضوعية. وهكذا، يهدف إعلان بوزنان إلى إقتلاع جذور الممارسات الفاسدة وغير الأخلاقية، ليس فقط في المجتمع ككل، ولكن أيضا داخل الجامعات.
والخطوة الأولى والفعالة، لتنفيذ أفكار إعلان بوزنان هي ببساطة مجرد الحديث عن ذلك: ما هي الممارسات اللاخلاقية التي نواجهها في بيئتن االتعليمية، والتي من المرجح أن نواجهها في الحياة المهنية في المستقبل؟. يمكن لهذه المناقشات أن تُساعد كل من أعضاء هيئة التدريس والطلبة على تحديد احسن الممارسات الأخلاقية، وتساعد على خلق الهويات المهنية المرنة، التي قد تسهم بدورها في تحقيق نتائج أفضل للمجتمع.

ملخص للخطوات التي يجب اتخاذها
• تحديد إمكانات الجامعة، ومسؤوليتها للمساعدة في تشكيل الملامح الأخلاقية للمجتمع نحو الأفضل، ونظرا للفوائد الإجتماعية من زيادة رأس المال الإجتماعي-نسأل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي لتحمل دورها بوصفها عوامل رئيسة للتغيير.
• تقبل وتاييد أعضاء الهيئة التدريسية لإضافة موضوع مكافحة الفساد وتعزيز السلوك في الخطط الدراسية.
• توفير الموارد التربوية والتدريب لمجموعة واسعة من أعضاء هيئة التدريس لتشجيع دمج قضايا الفساد والأخلاق داخل فصولهم الدراسية.
• تطوير صفحة ويب لنشر المعلومات من المواد التربوية، والمواضيع ذات العلاقة، ودراسات الحالة.
• تنظيم المؤتمرات لتبادل الممارسات وتطوير الشراكات مع الجامعات الاخرى، والسلطات الوطنية للتعليم العالي، ومنظمات المجتمع المدني لدعم جهود محاربة الفساد.
• التنسيق مع الجهات التعليمية الوطنية على تحقيق التزام الجميع بذلك بموجب إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، - المادة 13.
• تشجيع النشاطات التطوعية لهذه الغاية، من خلال توفير قاعات اجتماعات في الحرم الجامعي.
• بالإضافة إلى تعليم السلوك الأخلاقي وتعزيز رأس المال الإجتماعي فمن الأهمية بمكان أن الجامعات نفسها توفروتضمن الحياد في التدريس، وتقييم الطلبة والبحوث ومنح الدرجات والجوائز والاستناد على التعليمات وتطبيقها بشفافية.
• الألتزام على المدى الطويل.لأن تغييرالسلوك عملية طويلة المدى وبطيئة. وهذا يتطلب كتلة حرجة من الشباب لإحداث التغيير.

خاتمة
وبالنظر إلى انخفاض التكاليف النسبية للتنفيذ والمكاسب الاجتماعية المحتملة، إذا ما نُفذت على نطاق واسع-على المدى الطويل -فان هذه المبادرة لديها القدرة على أن تكون غاية فعالة ومربحة. والأهم من ذلك، هو أنه أخلاقيا، أنه الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله.
وعليه فان الإنتماء للاردن والولاء للملك ومحبة الشعب تجعل لزاماً على جامعاتنا القيام بادوار اضافية للتدريس والبحث العلمي تحت عنوان «عدم التسامح مع الفساد».

 


شريط الأخبار اجتاحت العالم.. ما هي "الإنفلونزا الخارقة" وما خطورتها؟ النواب يحيل تقرير ديوان المحاسبة إلى اللجنة المالية "صناعة عمان" تحاضر حول مؤتمر (ديتيكيس 2026) في "العلوم والتكنولوجيا" تركيا تعلن العثور على الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي إدارة ترامب تلغي برنامج قرعة هجرة ارتفاع الذهب محلياً الغذاء والدواء ترد على استفسارات "اخبار البلد" الاربعة .. التعيينات تتم اصولياً من خلال الاعلان عن الشاغر حظر تصوير طلبة الثانوية العامة مقتل مضيفة طيران بأكثر من 15 طعنة بأحد فنادق دبي الفاخرة !!!! اعتداء وحشي على فتاة خلال استلام ميراثها.. صور أفضل وقت للفطور لخفض الكوليسترول اجراءات قانونية ضد المتورطين بسرقة المناهل وداعاً للقرعة.. إدارة ترامب تلغي "تأشيرة اللوتري" الشهيرة شقيق معاذ الكساسبة يكتب كلمات مؤثرة في ذكرى استشهاده وفيات الأربعاء 24 - 12- 2025 طيار يزعم أنه التقى بـ"كائنات فضائية" في الجو.. ويصف شكلها أم نمر وعماد فراجين يعدان الجمهور بمسلسل في رمضان المقبل - فيديو الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا - تفاصيل طبيب يثير غضباً بعد ضربه مريضاً لهذا السبب (فيديو) فاقدون لوظائفهم في وزارة الصحة - أسماء