أخبار البلد - العين محمد البندقجي
ما انفك جلالة الملك عن القيام بتنويرنا وزرع الأمل والتفاؤل في نفوسنا، حيث قال في خطابه بأن الأردن قوي وصامد بثبات على مر العقود، وأن قوتنا ودورنا المحوري من صنع الأيدي الأردنية المثابرة المبدعة التي وضعت الأردن على خارطة التمّيز والإنجاز ورفعت رايته عالياً في مختلف الميادين، وأننا نقف اليوم أقوياء بوحدتنا في محيط يموج بالصراعات والنزاعات الطائفية والعرقية وفوق كل ذلك الإرهاب، وأن الأردن ينعم بمنجزات الأمن والأمان أساس الحياة ولا مساومة ولا تساهل في ذلك، فسيادة القانون عماد الدولة التي نعيش فيها بكرامة متساوين في الحقوق والواجبات والكل فيها مسؤول مواطنون ومؤسسات، والإسلام ليس أطيافاً وألواناً أو تطرفاً واعتدالاً فالإسلام الجامع هو دين الحق والسلام، ونحن أردنيون وجيشنا عربي منذ أن وجد، وأننا ماضون في الديمقراطية وتعميق المواطنة، و«ارفع رأسك فأنت أردني، وارفع رأسك ففي كل أسرة أردنية معاذ نفاخر به».
ونادى بالعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة وريادة الأردن في الخارج وتمكين الشباب وتفعيل الأحزاب والإنحياز إلى جانب المواطنين الفقراء، والعمل على جلب الاستثمارات وإنشاء الصناعات لسد فجوة البطالة والفقر، لغايات تحقيق العدالة الاجتماعية وإحداث توازن اجتماعي (مجتمعي) يقضي من تلقاء نفسه على الفساد والإرهاب.
واهتم جلالة الملك بالبسطاء وجعلهم في مقدمة اهتماماته وفكّر بمنطقهم لحل مشاكلهم الضرورية.
ويدعم جلالته التجربة الحزبية وينادي بتفعيل عمل المعارضة لتصبح معارضة حقيقية.
كما يصارح شعبه الوفي بمدى التحديات التي تواجهه ويحثهم للوقوف إلى جانبه ومساندته كما يحثهم على الصبر في تحقيق مطالبهم.
وجلالة الملك ينظر بحذّر للمخاطر المحدقة بالوطن، وينادي بضرورة تفعيل مبادرة استدعاء العلماء وإشراكهم في بناء الأردن والاستفـادة مـن خبراتهـم وأبحاثهـم لوضـع أسس ومبادئ العمل للمستقبل، بحيث تكون محددة الأهداف ومرتبطة بفترة زمنية محددة للنهوض الحقيقي بالأردن في شتى مجالات ومناحي الحياة، غاياتها تطوير التعليم والصحة والنقل والمواصلات ومنظومة الأمن ومنظومة التعامل بين أفراد الشعب واحترام القانون.
وأصبح تطوير مناهج التعليم والخطاب الديني وتجديدهما الشغل الشاغل للجميع منذ تولى جلالة الملك سدة الحكم حيث قاد الأردن بحكمته السياسية نحو بر الأمان مؤكداً على الوحدة الوطنية وجاعلاً من تطور الأردن وازدهاره هدفاً وطنياً.
وقامت الجهات ذات العلاقة، مثل دائرة الإفتاء العام ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة، كما انصرف الكثير من الكتاب والمفكرين والخبراء على تطوير المناهج التعليمية والخطاب الديني، ونلمس البدء بتجديد الفكر الديني وخطابه، كما نلمس البدء بتطوير وتنقيح وتحديث المناهج التعليمية لما فيه خير الأردن الغالي.
إلاّ أن تغيير المناهج لا يكفي بل من الواجب تغيير وتطوير المنهجية التي نتبعها في العظات والتعليم والبرامج التلفزيونية والإعلام، لتكون قريبة من الناس وجذابة لهم لغايات الانتقال إلى المستقبل الأفضل.
يقول الحق في كتابه المحكم:
بسم الله الرحمن الرحيم
«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا{ (المائدة 48)
صدق الله العظيم
أوضاعنا ستستقيم عندما نسير في السياق القويم، ونلتف حول الأمور التي تجمعنا وتوحدنا وهي كثيرة وبناءة، ونترك الأمور التي تفرقنا وتبذر الخلاف بيننا وهي قليلة.
وتقتضينا الأوضاع أن نعمل بجهد على تحقيق السلم الأهلي وتقوية الوحدة الوطنية ومقومات الاستقرار، ودفع عجلة الإنتاج إلى الأمام.
وتجدر الإشارة إلى أن العرب يحتاجون اليوم إلى مراجعة أنفسهم حول الكثير من القضايا، وإدراك أن العمل العربي المشترك يجب أن يعود ليمثل أولوية أولى لدى صناع القرار في العالم العربي.
إن التوعية والتنوير تشكلان الأساس الذي تقوم عليه عملية التطوير والتحديث في كل أوجه ثقافتنا ويعرف الفليسوف الألماني (كانط) التنوير بأنه « هجرة الإنسان من اللارشد (أو القصور العقلي) واللارشد هو عجز الإنسان عن الإفادة من عقله من غير معونة الآخرين «، كما أن اللارشد سببه الإنسان ذاته، هذا إذا لم يكن سببه نقصاً في التصميم والجرأة على إستخدام العقل من غير معونة الآخرين.
والمعروف أن حركة التنوير عُـرفت في أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وأدت إلى نهضة أوروبا وتحررّها من سلطان الكنيسة والأنظمة الدكتاتورية وسيادة العقل والعلم.
وقامت حركة التنوير على مجموعة من القيم أجملها المؤرخون على النحو التالي:
أولاً: إحترام إنسانية الإنسان، أي الإعتراف بكيان الإنسان الفرديّ، وبأن الإنسان هو الأساس والجوهر الذي لا يمكن تجاهله أو الحط من قدراته أو عقليته أو اعتباره مجرد رقم.
ثانياً: أن الحرية شرط لا غنى عنه لتمكين الأفراد من تنمية قدراتهم ومهاراتهم وتحقيق ذواتهم بما يتفق مع رغباتهم ويحقق لهم الرضى.
ثالثاً: إخضاع كل شيء لحكم العقل، وتوظيف هذه الآلة الجبارة التي وهبها الله للإنسان في
التوصل إلى الحقائق والاستنتاجات دون وصاية خارجية سواء من سلطة الاستبداد السياسي أو سلطة الاستبداد الاجتماعي.
رابعاً: الإلتزام الصارم بأن الناس جميعهم متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز قائم على النوع أو الجنس أو اللون أو المذهب أو الدين أو الخلفية الاجتماعية.
خامساً: التشديد على مفهوم التسامح وقبول الاختلاف والتنوع وترسيخه كثقافة مناقضة للقمع ومصادرة الحريات وفرض الرقابة والإقصاء والتخويف والهيمنة من طرف ضد أطراف أخرى.
سادساً: إن الديمقراطية بأنواعها ومظاهرها المعروفة شرط لتحقق المبادئ سالفة الذكر وترسخها.
سابعاً: تم إدراج العلمانية ضمن القيم المذكورة.
ومن الجدير بالذكر أن بعضاً من هذه القيم التنويرية عرفها تراثنا العربي الإسلامي في كتابات طائفة من الأدباء والفلاسفة أمثال الجاحظ والمعرّي والمعتزلة وأخوان الصفا وإبن رشد والكندي وغيرهم، وفي كتابات المحدثين في القرن التاسع عشرة أمثال الشيخ رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وآخرين، إلاّ أنها لم تشكل حركة قوية لتغير واقعنا الاجتماعي والسياسي، كما حصل في أوروبا.
حبانا الله جلـّت قدرته بقيادة هاشمية حكيمة تعمل لرفعة ونهضة الأردن العزيز، ونحن نقف صفاً موحداً متراصاً خلف قائدنا العظيم، ولن ندع خصمنا الكافر المقيت يشتت أذهاننا، ونحن له وسنقضي عليه بإذن الله وبقوة وقدرة جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية وشعبنا الوفي الشامخ.