أخبار البلد - محمد كعوش
عندما حدثت الحركة التصحيحية في مصر سلكت الدبلوماسية المصرية نهجا جديدا قام على نظرية التعددية والتنويع في العلاقات السياسية والاقتصادية، وكان اولها الخطوة الواضحة تجاه تحسين العلاقات المصرية الروسية وتوطيدها دون قطع العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية او تخفيضها. وهذا نهج سليم يراعي مصالح مصر العليا.
والثابت ان الاردن اعتمد هذا النهج منذ زمن بعيد، فتنوع العلاقات وتعددها افاد الدبلوماسية الاردنية، ومنحها هامشا اوسع للحركة، وحفظ مصالحنا العليا السياسية والاقتصادية، دون ان تشكل المساعدات الخارجية اي قيود معيقة لتقدمنا، كما انها لم تشكل عامل ضغط على الدور الاردني القائم على شبكة واسعة من العلاقات، في ثنائياتها الطيبة، مع الدول العربية الشقيقة والدول الغربية الصديقة، ويجب ان لا ننسى علاقاتنا مع دول شرق اوروبا وفي مقدمتها روسيا.
والحديث عن الحراك الاردني الدبلوماسي والسياسي فرضته زيارة وزير الخارجية ناصر جودة الى طهران حاملا رسالة خطية من الملك عبد الله الثاني الى الرئيس الايراني روحاني. هذه الرسالة الملكية والزيارة التي قام بها وزير الخارجية كانت في وقتها، وفي الطريق الصحيح، لان ايران، شئنا ام ابينا هي دولة اقليمية عميقة ومؤثرة، واحياء العلاقات معها قد يخفف من التوتر في المنطقة، خصوصا بعد امتداد نفوذها الى العراق وسوريا ولبنان، وقد تمنح رسالة الملك الى الرئيس الايراني الاردن فرصة للقيام بدور يخدم هذا الهدف من خلال تواصل الحوار الدبلوماسي والسياسي، وقد اشاد الرئيس الايراني بالدور المحوري للاردن.
ولا اعتقد ان هناك من يعيب علينا هذه الحكمة والعقلانية وبعد النظر، رغم ان ايران لعبت دور المتمرد متجاوزة استقلاليتها بهدف بلورة خصوصية ايرانية في المنطقة، ولكن تحسين العلاقات معها، وفتح باب الحوار قد يلزمها بانضباط قد لا تتراجع عنه. وبالتالي قد يفتح الباب امام الحوار مع دول الجوار، بعيدا عن التعالي او النكران، وذلك من اجل تحقيق التهدئة في المنطقة، خصوصا ان تركيا وايران من ركائز الاقليم، ولا يمكن تجاهلهما على الرغم من الاختلاف في الادوار والاهداف.
ونقول ان الرسالة والزيارة جاءت في الوقت الصحيح، لأننا نرى ان الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية بدأت تتحرك باتجاه تليين الموقف واحياء العلاقات مع طهران، وخصوصا ان الجميع يقف على مشارف الاتفاق الدولي حول الملف النووي الايراني، اضافة الى الامر الاخر الثابت المتمثل في فشل رئيس الحكومة اليمينية في اسرائيل بنيامين نتنياهو من التأثير على المفاوضات الدولية مع ايران، او اجبارها على الانحراف عن مسارها الصحيح، عبر خطابه التحريضي امام الكونغرس الاميركي.
واذا كنا نختلف مع القيادة الايرانية حول الكثير من القضايا، فهناك نقاط التقاء مشترك ايضا، يمكن البحث فيها لأنها مقلقة للجميع، وفي مقدمتها الحرب على الارهاب، وتطورات الاوضاع في المنطقة، ومقاومة الافكار المتطرفة والتعصب المذهبي، حيث امتلك الاردن المبادرة في تعميم الخطاب الديني التنويري المتسامح، لاعادة الصورة الاسلامية المختطفة، وهي صورة الاسلام الحقيقي كما هو بقيمه السامية ومثله الروحية العليا .