لم يكن مفاجئاً او حتى مستغرباً أن تُصْدِر جماعة الاخوان المسلمين «السورّية» بياناً مرتبكاً ومأزوماً (وإن بدا انه نارياً)، ترفض فيه رفضاً «قاطعاً» المبادرة الروسية التي هي في الاساس ودون رفع لسقف التوقعات منها، مجرد دعوة الى الحوار بين السوريين، يُسهم في تخفيف الازمة ويمهد لخطوة أولى على طريق الحل السياسي، الذي لم يعد أحد في العالم (ربما باستثناء اسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وبعض حلفائهم في المنطقة)، يعارضه، بعد أن فشلت كل محاولات التسعير والتخريب واسقاط الدولة السورية وشطب موقعها الجيوسياسي لصالح أحلاف ودول قزمة ترى في نفسها مؤهلة للعب دور الوكيل او شرطي المنطقة.
سرّ الغضبة الاخوانية هذه، يكمن في انه تم استبعاد «الجماعة» تماماً من مسار موسكو «1» (إن صحت التسمية)، وبالتالي باتوا معزولين، بعد ان تجاوبت جهات معارضة عديدة مع الدعوة الروسية، والتي تمت على أُسس فردية وشخصية ولم تكن لها مرجعية تنظيمية او حزبية، ولهذا مثلاً سيذهب هادي البحرة (رئيس ما يسمى الائتلاف) الى موسكو بصفته الشخصية، كذلك حال حسن عبدالعظيم وقدري جميل.. لهذا أيضاً شعر الاخوان ان «هامشهم» قد تقلص، بعد ان كانوا ذات يوم بيضة القبان، والمحرك الرئيس لتجمعات المعارضة، وكان بيدهم ان يرفعوا هذه الشخصية أو يرسلوه الى دائرة النسيان والشطب، فعلوا ذلك في مجلس اسطنبول، ولم يترددوا في إسقاطه لصالح «الائتلاف» الذي استولدوه بالأمر من هيلاري كلينتون وواصلوا الاستحواذ على أغلبيته، وإن حرصوا دائماً على ان يبقوا خلف الستارة ليحركوا البيادق والدمى، لكنهم كانوا المرجعية وكانوا اصحاب القرار.
كل هذا بات من الماضي، ليس فقط لأنهم خسروا فرصة الركوب في القطار الروسي وإنما ايضاً لان «الائتلاف» يوشك على لفظ انفاسه الاخيرة، وباتت الكتلة الصلبة في المعارضة الداخلية والخارجية على حد سواء، تدرك (وإن متأخراً للأسف) أبعاد المؤامرة الدولية الاقليمية التي حيكت لتدمير سوريا وتقسيمها او تحويلها الى دولة فاشلة وكيانات هشة ذات هويات طائفية ومذهبية وعرقية.
وهم (اخوان سوريا) كانوا على الدوام مَنْ رفض في غطرسة واستكبار، كل محاولات المعارضة الداخلية وبعض شخصيات المعارضة الخارجية، الالتزام بعدم عسكرة الاحتجاجات ورفض التدخل الخارجي، لكنهم كانوا - وانسجاماً مع تاريخهم الاسود في استخدام العنف ورفض الاخر واحتكار الحقيقة - انكروا على الاخرين حق المعارضة أو التمثيل وراحوا (وقد امسكوا بالاموال) يخلعون القاب «الوطنية» على النكرات ويلمّعون غيرها ولم يترددوا في استخدام دمى انتهازية مثل ميشيل كيلو وخصوصاً جورج صبرا، لنفي صفة «الطائفية» عن سلوكهم, لكن تلك الالاعيب لم تنطل على أحد, تماماً كما هي حالهم عندما عبثوا بالمنظمات المسلحة وراحوا يخترعون الفصائل والتنظيمات ويدفعونها في كل الاتجاهات ويَرْشُون من يصلون اليهم للاستحواذ على الميدان العسكري وفرض رؤيتهم الظلامية وخطابهم الاقصائي على الجميع, ظناً منهم أنهم (وقد اطمأنوا الى دعم حليفهم العثماني الجديد, الذي لم يزل يرى في حلب والموصل ارضاً تركية يجب استرجاعها) سيدخلون عاصمة الامويين فاتحين..
من يدقق في بيان أخوان سوريا الغاضب، يلحظ أنهم باتوا في «عزلة» بدليل انهم لم يأتوا بذكر على استمرار تحالفهم مع «القوى» التي ترفض المبادرة الروسية «مثلاً»، بل انزلقوا الى لغة خشبية, من قبيل «نعلن التحامنا مع شعبنا البطل في مواجهة النظام المجرم وحليفه الروسي الايراني في سبيل نيل الحرية والكرامة».. هل يعني هذا شيئاً؟ أو هل يختلف عن كل بياناتهم الفارغة التي دأبوا على اصدارها منذ عقود؟
ثم ولكي لا يبدون وكأنهم اداروا ظهورهم نهائياً للحل السياسي, فإنهم يقعون ايضاً في دائرة التناقض عندما يقولون الشيء ونقيضه».. نعلن دعمنا للحل السياسي في اطار زوال نظام بشار الاسد واجهزته الامنية، وتوفير المناخ السياسي الملائم بوقف القتل الذي يمارسه ضد المدنيين الابرياء والافراج عن المعتقلين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة».
اذا كان مطلوباً ان «يزول» النظام واجهزته الامنية, فلماذا هو مُطالب بتوفير مناخ سياسي ملائم ووقف القتل (..) والإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة؟
يجدر بالجماعة التي أدمت مغامراتها وعنفها... سوريا وشعبها، منذ اكثر من نصف قرن حتى الان, أن تراجع مسيرتها الدموية وأن تنأى بنفسها عن مدرستي (سيد قطب ومروان حديد) وأن تستخلص الدروس والعبر من تاريخ المنطقة.. قديمها والحديث, بعد أن ارتهنت طويلاً لوعود العواصم الغربية، وظنّت ان الطريق الى السلطة مضمون, بصرف النظر عن الآليات والمقاربات وخصوصاً المزاج الشعبي, وهو أمر وقعت فيه الجماعة الأم في مصر، وقد آن الاوان للشعب السوري أن يستعيد دورة الحياة ووقف سفك دمائه وتشريده, ونحسب ان جماعات الاسلام السياسي وحلفاؤها من الجهاديين والتكفيريين، هم المسؤولون عمّا يحدث في سوريا والمنطقة، وعليهم أن يعودوا الى رشدهم ويوقفوا رهاناتهم وخصوصاً جماعات الاخوان المسلمين، على سلطان انقرة.. واشباهه.