يعود خلاف دول الخليج العربية مع "الإخوان المسلمين"، في جزء منه، إلى متغيرات ما بعد الحرب الباردة، وتراجع الأيديولوجيا وانقراض "الثوريين العرب"، وإلى "واقعيّة" الولايات المتحدة الأميركية البراغماتية.
في زمن الحرب الباردة، كان الأميركيون يُسخّرون الكنائس في الولايات المتحدة لمهاجمة الشيوعية، وكان التيار الديني الإسلامي حليفاً للدول العربية المحافظة، ضد الأنظمة الاشتراكية والقومية. وفي حينه، كانت هناك أنظمة في مصر، وليبيا، والعراق، وسورية، وبدرجة أقل الجزائر، تسعى إلى لعب دور قيادي للعالم العربي. وكان اليمن الجنوبي، على ضعفه، حاضنة للثوريين الأكثر راديكالية، الساعين للاستعداد والعمل لنشر ما يسمى بالثورة في باقي الدول العربية التي كانوا يسمونها "الدول الرجعية". بكلمات أخرى، كان هناك لقاء مصالح ثلاثي أميركي-خليجي وملكي-وديني إسلامي، تحول مع الوقت، بدعم خليجي ومباركة أميركية، إلى "إسلام سياسي". وقد وصلت هذه الصيغة ذروتها نهاية السبعينيات، حين اجترح واضعو السياسة العامة الأميركية سياسة دعم المجاهدين في باكستان وأفغانستان ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي. وإن تزامن ذلك مع صعود إسلام سياسي مختلف، عبر عنه نظام الولي الفقيه في إيران.
وصلت قوة التيار الإسلامي ذروتها مع بداية التسعينيات، أي في ذات زمن انهيار المعسكر الاشتراكي ونهاية الحرب الباردة. وبالتالي، فقد الإسلام السياسي جزءا كبيرا من دوره الوظيفي بالنسبة لأنظمة الخليج والرأسمالية العالمية، بينما هذا التيار في أوج قوته.
هذا لا يعني أنّ قطيعة وقعت مباشرة بين الجانبين، وخصوصا بين الأنظمة العربية والإسلام السياسي؛ فهناك علاقات شخصية وهناك ضباط مخابرات في باكستان ودول عربية خليجية متأثرون بهذا التيار أو لهم صلات معه. كما أنّ هناك وظائف فرعية ظهرت له. ففي باكستان مثلا، كان ضروريا الاستمرار في دعم التيار السلفي في أفغانستان، لعاملين: أولهما، الخوف من تمدد شيعي وإيراني. وثانيهما، أنّ هذه الجماعات حليف في وجه الهند، كما في كشمير.
ساهمت عدة عوامل في تثوير وتعمق التسييس لدى التيارات الإسلامية، وتحولها إلى موقف حاد من الولايات المتحدة والغرب، وإلى صدام مع الأنظمة الحليفة سابقا. أولها، اتضّاح أنه من دون تسييس فقد تفقد هذه القوى الشارع، كما في حالات أشهرها حالة حركة "حماس" الفلسطينية التي جاءت لتنهي عقودا من استنكاف الإخوان المسلمين عن المقاومة والسياسة في فلسطين. كذلك، كانت إيران نموذجاً لعب دورين متناقضين؛ فمن جهة ألهم هذا النموذج جماعات لتتبناه، كما أخاف، من جهة أخرى، تيارات الإسلام السياسي التقليدي من بروز جماعات جديدة مدعومة إيرانيا، ومثال ذلك من فلسطين أيضاً نشوء "حركة الجهاد الإسلامي" بحماسة للنموذج الإيراني، ونشوء "حماس" خوفاً من سحب مثل هذه الحركة وغيرها للبساط من بقايا التيار المتدين. وكان دعم التيار السلفي السياسي مفيداً لدول مثل السعودية في مواجهة إيران.
بنت دول الخليج العربية سياستها الأمنية منذ مطلع التسعينيات على تحالف عسكري صريح مع الولايات المتحدة، خصوصاً ضد العراق وإيران الدولتين اللتين تتحينان الفرصة للانقضاض على الخليج. فيما أدارت العلاقة مع الإسلام السياسي بنوع من المد والجزر، خصوصاً مع انتهاء الأنظمة العربية "الثورية" والأيديولوجية التي كان الإخوان المسلمون طرفا في الخندق المقابل لها مع الخليج.
لكن "الربيع العربي" حسم المعادلة؛ فمن جهة يشكل التغيير في الدول الأخرى (غير الخليجية) خطرا يهدد بأن تنتشر عدواه للخليج، وصار هناك تخوف من دور الإسلاميين في هذا التغيير. وكان الإسلامي راشد الغنوشي في تونس ممن توقع انتشار هذه العدوى في محاضرة شهيرة في الولايات المتحدة، ما استفز الخليج حينها. وبينما تفردت قطر بمحاولة التحالف مع "الإخوان" وتأييد الثورات، فإنّ واشنطن برئاسة باراك أوباما تبنت موقفا براغماتيا لا يمانع في الوصول لتفاهمات مع قوى الإسلام السياسي الصاعدة للحكم، وهذا استفز الخليجيين، وزاد مخاوفهم، فقرروا أن يباشروا الأمر بنفسهم، وأن يستثمروا كثيراً في منع المزيد من التغيير غير المسيطر عليه في الدول العربية، كنوع من الوقاية لساحتهم الداخلية، فاختلفوا نسبيا مع واشنطن وتحركوا باستقلالية. وفي السياق، كان الإخوان المسلمون أكبر قوة تريد لعب دور في العصر الجديد، فكان الهجوم.