العلاقات الأردنية السودانية جيدة جداً ونموذجية، إذ أنها تحظى بالدفء والوديّة منذ زمن بعيد، وما يميزها أنها جيدة على المسارين الرسمي والشعبي، وقد خلت هذه العلاقة مما يعكر صفوها على مدار عقود، وهناك مصالح متبادلة بين الطرفين، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية، ويترتب عليها آثار إيجابية كثيرة تنعكس على الشعبين بكل تأكيد.
تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبراً عن البيان الذي ألقاه نائب المندوب الأردني الدائم في نيويورك، والذي أعرب فيه عن تأييده العلني لتقرير مدعية المحكمة الجنائية الدولية «بنسودا» المقدم إلى مجلس الأمن والذي تطالب فيه المجلس بعدم التقاعس عن اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير وأركان حكمه للمثول أمام المحكمة بخصوص اتهامات بارتكاب جرائم حرب في «دارفور» الإقليم السوداني المضطرب، هذا الخبر شكل صدمة كبيرة للسودان، مما جعلها تستدعي السفير الأردني في السودان، وتبلغه استنكارها الشديد لهذا الموقف.
ليس من مصلحة الأردن تخريب علاقاتها مع السودان على وجه الخصوص، ومع جميع الأشقاء العرب والمسلمين على وجه العموم، ومصلحة الأردن تقتضي أن يمتلك الموقف المتوازن المدروس القائم على تقدير المصلحة الأردنية بشكل دقيق، وكذلك تقدير المصالح العربية، وخاصة أن الأردن يعد ممثل العرب في مجلس الأمن والمحافل الدولية في هذه اللحظة التاريخية المهمة، التي تستحق حسن التقدير والتمثيل من رجال السلك الدبلوماسي الأردني.
السفير الأردني في السودان أكد بطريقة واضحة لا لبس فيها حرص الأردن على الاستثمار في بناء العلاقات الطيبة والحسنة مع السودان الشقيق والحرص على تطويرها بما يخدم مصلحة الشعبين، وشدد على عدم وجود أي تغيير في السياسة الخارجية الأردنية حيال السودان، وأن ما صدر عن نائب المندوب الأردني الدائم في نيويورك كان بياناً مرتجلاً، ولم يكن معتمداً من الخارجية الأردنية بطريقة رسمية.
إذا صح كلام السفير الأردني في الخرطوم، واعتقد أنه لا ينطق برأيه الفردي؛ بل أنه يمثل الرأي الرسمي، فإن ذلك يعني أن نائب المندوب الأردني الدائم وقع في خطأ يستحق المعالجة الفورية والسريعة، من أجل احتواء الموقف والحيلولة دون حدوث تداعيات غير محمودة.
ما ينبغي التأكيد عليه أن الدعاوى الجنائية الدولية بحق السودان تأتي في سياق توظيف سياسي معروف، ولا يخلو الأمر من رؤية دولية بعين عوراء، فليس معقولاً أن يتم غض الطرف عن جرائم الاحتلال الصهيوني على مدار نصف قرن من الزمن، ويقتصر التركيز على بعض الدول الضعيفة بطريقة منتقاة ومجتزأة، وبمعايير مزدوجة وموازين مختلة، مما يجدر بالمسؤول الأردني أن يكون أكثر حذراً في بياناته وكلماته وألفاظه، وأن ينظر إلى المسائل الدولية في سياق النظرة الشاملة والمعايير العادلة المكتملة، كما ينبغي حسن التقدير للمصالح الأردنية والمجموعة العربية بطريقة متوازنة تخلو من التسرع والاستعجال.