الإشكالية التي تواجه العمل النقابي في نقابة المهندسين، تحّوله الى عمل فئوي، يمّثل فئات محددة، يدافع عن فئات محددة، وتحتكره جهات محددة، أما الفئات العريضة والواسعة من المهندسات والمهندسين، المغيبين المهمشين، فهم ليسوا أكثر من مجرد حطب في نار المزايدات والصراعات السياسية، وساحة لتبادل الرسائل السياسية على حساب الغالبية العظمى منهم.
ان العمل النقابي الحقيقي هو النضال من أجل الدفاع عن حقوق ومكتسبات المهندسين، وتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم، والدفاع عن الوطن وقضايا الأمة، انطلاقا من شعار خدمة الأعضاء، وليس استخدامهم دروعا بشرية في معارك سياسية لأجندات محددة، وهذا يفرض على جمهور المهندسين على اختلاف مواقع عملهم واختصاصاتهم ومشاربهم السياسية والوطنية، ان يمارسوا حقهم وواجبهم الوطني اولا ثم النقابي، بالاندفاع للمشاركة الفاعلة في النشاطات النقابية، وفي العمليات الانتخابية، لإفراز قيادات نقابية تعبّر عن التعددية، وتضفي ألوانا من الطيف النقابي المتعدد على المجالس المتتالية.
ان تأكيدنا على الفعل التشاركي في العمل النقابي، داخل أروقة النقابة نفسها، وفي العلاقة مع الحكومة، وباقي الأطراف الفاعلة في المجتمع، يعني بكل وضوح رفض الممارسات الحكومية الهادفة لتحجيم القوى المعارضة، ومحاولاتها الدائمة للهيمنة على النقابات المهنية، في وقت تخلت فيه عن دورها الاجتماعي في حماية الطبقات الوسطى والفقيرة، وحيث تراجعت النقابات نفسها عن دورها في الدفاع عن مصالح الناس، مجرّدة الشرائح المقهورة والفقيرة في المجتمع من أهم قلاعها المدافعة عنها، ألا وهو مجمع النقابات المهنية.
ان مشاركة الشباب والمرأة في النشاط النقابي، سوف يشكل اختبارا حقيقيا للبنى الفكرية للقوى السياسية، القائمــــــــة على تغييب الديمقراطيــــــــــة في ممارســــــاتها النقابية الداخلية، كما يشكل امتحانا للقوى النقابية التقليدية في قدرتها على التكيف مع المستجدات، والاندغام في الفعل النقابي مع جمهور لا يستهان به من الجيل الجديد، المتقد والحامل لراية التغيير والتجديد والمشاركة، وهنا يحق لنا التساؤل:- ألم تعد القائمة النسبية الحرة مخرجا لحالة الاستعصاء الانتخابي، وطريقا واضحا للوصول الى المشاركة الحقيقية للجميع، ونقل التنافس النقابي الى المؤسسات النقابية، بدل تناثره في الإعلام، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
مهندسو القطاع العام يشكلون مع باقي أقرانهم في القطاع، القاعدة الاجتماعية – الطبقية الضرورية لحماية الوطن والتماسك الاجتماعي فيه، في ظل ضعف البرجوازية الوطنية، وسيادة القطاعات غير الانتاجية، وبالتالي فان المقاربة الاقتصادية البحتة في التعاطي مع هذه المسألة، يجب ان لا تكون مقاربة كلاسيكية، حسب تعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة، بل لا بد من الأخذ بجملة من المعايير، التي تحفظ حقوق كافة الأطراف في المعادلة الاقتصادية، بما فيهم الخزينة وجيش من العاملين في القطاع العام، فاذا كان هناك فساد وانفاق مفرط وعبء على الخزينة، فالحل يجب ان لا يكون على طريقة الدب الذي قتل صاحبه، بل باستئصال آفة الفساد من جذورها، وتنظيم الإنفاق، وليس بإضعاف القطاع العام الذي يعني انهياره، انهيارا للوطن لا سمح الله.
ان الظروف الدولية والإقليمية بشكل عام، والوضع الداخلي الاستثنائي يؤكد حاجتنا الى كافة الجهود النقابية الوطنية، لتمكين آليات عمل نقابي تشاركي، يتأسس على وعي ديمقراطي وممارسات ديمقراطية حقيقية، تتجاوز التموضعات الضيقة والتجاذبات الهامشية، والتمسك بالتنافس الديمقراطي بعيدا عن التخوين والتكفير والاتهامية، والعمل على تحسين ظروف المهندسين المعيشية، والنظر الى دور النقابة في العمل الوطني، باعتبارها طرفا مشاركا مع باقي الفعاليات الوطنية في الدفاع عن الوطن وعن الأمة، وليست أداة في الصراع السياسي، او منصة لتبادل الرسائل بين الأطراف المتصارعة، الأمر الذي يرتب على القوى والفعاليات الديمقراطية العمل على بناء تحالف وطني ديمقراطي، يرتكز على آليات وأدوات وطنية وديمقراطية، ويعزز روح التضامن والتكامل للمستويات الثلاث، الوطنية والنقابية والمهنية.