للمرة الثانية يلتقي الملك بجميع رؤساء الوزراء السابقين لوضعهم في صورة بعض التطورات، فهذه الشخصيات عايشت تجارب متعددة ومتباينة في ظروف مختلفة، ولكل منهم رؤيته الخاصة التي تشكلت بناء على تجاذبات سياسية ما زال الكثير منها يمتلك الصلاحية للتأثير على الحالة الأردنية الراهنة، فالأردن في مرحلة انتقالية طويلة يمكن التاريخ لبدايتها مع الانفراج الديمقراطي 1989، ولن تكون منتهية وناجزة إلا من خلال الوصول إلى صيغة جديدة للمنطقة تتضمن بداية تبريد البؤر الساخنة في العراق وسوريا وتتواصل بحل القضية الفلسطينية، ولاحقا تفعيل التعاون العربي بالحد المقبول ليضمن مستقبلا أفضل للمنطقة.
عقل الدولة الأردنية ليس مغيبا كما تظهر بعض المقولات بين وقت وآخر، ولكن وضع الأردن يتطلب أن تكون عملية المدخلات والترجيح للخيارات وتحديد تكلفة كل منها، وأخيرا صياغة المخرجات، على جانب كبير من التعقيد، ولذلك بقيت مؤسسة العرش تؤدي دورها الناظم والمرجعي ليس فقط للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن لمجمل التفاعل السياسي في الأردن، وبذلك تأتي اللقاءات الملكية التي اشتملت على القوى السياسية والشباب والأطراف الدولية الفاعلة ورجال الدولة في مختلف مواقعهم لتكون بمثابة التأطير لمجمل الرؤى السياسية لإنتاج مواقف تعبر عن المملكة ومصالحها.
الملك يدفع أمام رجال الدولة من ذوي الخبرة الطويلة، والتجربة السياسية المتواصلة لسنوات، بأولوية العمل على مواجهة مشكلتي الفقر والبطالة، وذلك ليس لأنه غاية في حد ذاته، ولكن لأن حديثا عن تحسين الواقع المعيشي للمواطنين لا يمكن أن يكون منتجا دون تلافي هذه العيوب الجوهرية في الاقتصاد الأردني والتي ارتبطت بظروف محلية وأخرى اقليمية، ومؤخرا، عالمية لا يمكن أن يتم تجاهلها، وعلى عقل الدولة الأردنية أن يجد الحلول المناسبة، ولذلك كان يتوجب دائما الاطلاع على الرؤى والتجارب المختلفة، وأن يتم ذلك بصورة شمولية يمكن أن تعطي كل فكرة فرصتها للنقاش للوصول إلى نتائج مبدعة.
يلتقي الملك من وقت لآخر، برؤساء الوزراء السابقين في جلسات خاصة، ويستمع لهم ولآرائهم، ويعطيه ذلك فرصة لبناء صورة عامة تتصف بالدقة والاتساع، ولكن الحاجة إلى الاجتماع الذي يضم جميع الأطراف سوية هو الذي ينضج البدائل المتاحة ويجعلها قابلة للتطبيق، وعلى الأقل التبني من أجهزة الدولة الفاعلة والمسؤولة حاليا ومستقبلا.
المرة بعد الأخرى، يشير الملك بوضوح لملف الشباب الذين سينضمون قريبا لمرحلة الإنتاج وعلى الدولة أن تعمل من خلال مختلف أدواتها من أجل تمكينهم من فرص العمل والمشاركة، ونقول الدولة، لأن الحكومة هي جزء من المنظومة، ولكن ليست وحدها المسؤولة عن استيعاب الشباب، فالقطاع الخاص له دور، والعمل التنموي له حصة، والحكومة يجب أن تعمل على تسهيل مهمة جميع الأطراف لتؤدي دورها تجاه الشباب الأردني.
وكان لافتا في الاجتماع حضور جولات الملك في المحافظات ومناطق البادية للتأكيد على أهمية تطبيق التنمية المتوازنة التي يمكن أن توزع ثمار النمو على جميع المواطنين، خاصة أن الفترة المقبلة يمكن أن تحمل فرصا متعددة للأردنيين، والمسألة تحتاج إلى وجود فرق عمل تستطيع أن تستوعب تغيرات متسارعة ستشمل المنطقة وذلك تحت غاية واحدة وهي التقاط، وأحيانا اقتناص الأفضل للأردنيين ومستقبلهم، وربما كانت هذه المسؤولية الكبيرة تستدعي دائما أن يحضر الملك للعمل على بناء وتركيم الرؤى الاستراتيجية ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم ضمن إطار واضح ومحدد.