احتفل العالم قبل أيام بمرور 66 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي الوثيقة الأخلاقية الأقدم ضمن منظومة حقوق الأنسان التي تسعى الى صيانة كرامة الناس وحقوقهم.
ورغم ما تبع الإعلان العالمي من معاهدات ومواثيق ملزمة دولياً، فإن الانتهاكات الواقعة على حقوق الإنسان تتزايد، وتفشل الكثير من التدابير والإجراءات الدولية في منع الدول من الاستمرار في خرق قواعد الحقوق والحريات، وربما تكون حالة العالم العربي أكثر النماذج وضوحا في تفشي الممارسات الممنهجة ضد حقوق الإنسان، وتساقطت بشكل سريع شعارات وأحلام الناس مع بدء ما سمي الربيع العربي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ومع أن الكثير من الدول العربية تتذيل القوائم في حالة حقوق الإنسان، وبعضها حصون لا يمكن معرفة معاناة الناس خلف جدرانها، إلا أن المثير والمضحك كانت حالة بعض الدول العربية في التشفي بأميركا بعد أن صدر تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ عن ممارسات التعذيب بعد أحداث سبتمبر 2001، وباتوا يعيبون عليها انتهاكها لحقوق الإنسان وبيوتهم من زجاج، بل الأدهى أنهم شركاء في جريمة التعذيب التي لا تسقط بالتقادم، حيث أثبت التقرير الذي يقع في 6 آلاف صفحة أن دولاً عربية كانت أميركا ترسل لهم المعتقلين ليجري تعذيبهم على أراضيها وفي سجونها، وتنتزع منهم الاعترافات ويسلمون مرة أخرى الى المخابرات الأميركية.
التقرير الأميركي عن التعذيب أثار جدلاً واسعاً، وهناك مؤسسات حقوقية داخل الولايات المتحدة تطالب بمحاسبة ومعاقبة من تورطوا بهذه الأفعال حتى لا يفلتوا من العقاب، في حين أن الدول العربية المتورطة بالاشتراك بالتعذيب تلتزم الصمت وتنفي أحياناً وتتباهى بأنها أفضل من أميركا.
الأردن، تعليقاً على التقرير، اكتفى بالقول "نتعاون في مكافحة الإرهاب ضمن معايير حقوق الإنسان".
التقرير المتضمن كل التحقيقات والواقع في 6 الاف صفحة، يكشف عن نتيجة تفيد بأن كل المعتقلين يبلغ عددهم 119 استناداً الى مذكرة الإخطار والتفويض التي أصدرها جورج بوش الابن وتجيز اعتقال أشخاص يشكلون خطراً على مصالح أميركا أو يخططون لأعمال إرهابية ضدها، ومن بين هؤلاء 26 احتجزوا ظلماً وخطأَ بعد متابعة حقوقية استمرت لسنوات لمحامية أميركية اسمها سيغ ساتيرثويت تبنت حالة مواطن يمني اسمه محمد باشميلة احتجزته CIA في أفغانستان لمدة 6 أشهر وعذبته في إحدى الدول العربية، وكانت متابعتها مع جهات حقوقية أخرى هي البداية لرحلة طويلة لمعرفة ما حدث.
تقرير التعذيب المستقل يكشف عن حقيقة لا يمكن تجاوزها، أن الطريق لتعزيز وبناء الديمقراطية لا يمكن أن يمضي دون مساءلة، وأن المساءلة ركيزة أساسية للإنصاف والمصالحة؟
هل يتعظ العالم العربي من هذه الحقائق، كيف يمكن أن نمضي للمستقبل دون أن نحاسب من قاموا بكل جرائم التعذيب والقتل، وبلا إنصاف للضحايا؟
في اليمن حصّن الرئيس السابق علي عبد الله صالح من الملاحقة والمساءلة!
لا أتصور أن مصر يمكن أن تتعافى دون المرور بمرحلة العدالة الانتقالية، وما تتضمنه من إجراءات ملاحقة الجناة عن جرائمهم وليس تبرئة مبارك وأنجاله ووزير الداخلية، وما ينطبق على مصر ينطبق ويعمم على الدول مثل ليبيا، سورية، الجزائر، وكل الدول العربية ولا استثني أحداً.