تجمد عدد النواب الموقعين على مذكرة طرح الثقة بحكومة د. عبدالله النسور عند رقم 11 نائبا، بينما وصل عدد من وقعوا على بيان الاستقالة الجماعية -في حال توقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل- إلى 15 نائبا.
ويظهر من أسماء الموقعين على بيان الاستقالة، ومن لهجة خطابهم، أنهم جادون في تبني خيار الاستقالة، أكثر من جدية النواب في طرح الثقة. وبينهم رموز نيابية لا يمكنها أن تغامر بخطوات غير محسوبة.
هناك بلا شك عقبات دستورية تحول دون استقالة النواب من المجلس. فحسب نصوص الدستور، يتعين على النائب أن يقدّم استقالة فردية ومكتوبة. ولكي تكون نافذة، يجب أن يوافق عليها ثلثا الأعضاء. وتلك المتطلبات يستحيل تحقيقها. لكن لو تجاوزنا الشروط الدستورية للاستقالة، فإن مجرد طرحها وتمسك أصحابها بها، يكفيان لخلق أزمة سياسية، قد تدفع بصاحب القرار إلى اللجوء لخيار حل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة. وهذا الخيار ليس مستبعدا كما يعتقد كثيرون.
لكن خيار الاستقالة من حيث المبدأ ينطوي على حقيقة مؤسفة؛ فهو بمثابة إقرار بعجز السلطة التشريعية أمام "التنفيذية". ببساطة، سيقال إن النواب الـ15 أخفقوا في حشد الأغلبية الكافية لحجب الثقة عن الحكومة وإقالتها، فقرروا الاستقالة، وإعفاء أنفسهم من تحمل المسؤولية.
المعارضة -لا أعرف إن كان هذا الوصف ينطبق على النواب المذكورين- في البرلمانات الديمقراطية، تخوض المعارك مع الحكومات باستمرار. ولو أنها تستقيل بعد كل مواجهة تخسرها، لما ظل برلمان واحد في العالم.
والنائب ليس وزيرا أو عينا اختير لهذا الموقع، وإنما هو منتخب من الشعب؛ اختاره الناخبون بملء إرادتهم، ولا يحق له التصرف بهذه الإرادة أو التنازل عنها. الناخبون وحدهم من يملكون الحق في استمراره. وليس من طريقة لفحص إرادة الناخبين إلا انتظار نتائج صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة.
اتفاقية الغاز ليست أخطر وأهم من اتفاقية السلام مع إسرائيل. ومع ذلك، لم يفكر نواب المعارضة في برلمان 1993، وبينهم إسلاميون ويساريون وقوميون، في الاستقالة عندما عُرضت عليهم الاتفاقية، بل قاتلوا حتى اللحظة الأخيرة لردها. وقد سجل الشعب لهم ذلك الموقف.
اتفاقية الغاز ليست معروضة من الناحية الدستورية على النواب، وتوقيعها لا يتطلب موافقة المجلس عليها. المسؤولية تقع على عاتق الحكومة فقط. وقد أعلنت أنها على استعداد لتحمل كامل المسؤولية بشأنها؛ فلماذا يزاحمها النواب على صلاحياتها؟
مسؤولية المجالس النيابية هي محاسبة الحكومات على نتائج قراراتها وسياساتها، وليس مشاركتها في صنع تلك القرارات.
في حال مضت الحكومة في إجراءات توقيع اتفاقية الغاز، فإن بوسع النواب المعترضين عقد مؤتمر صحفي، أو إصدار بيان للشعب، يشرحون فيه موقفهم من الخطوة الحكومية، ويسجلون للتاريخ اعتراضهم على "اتفاقية العار" كما يصفونها، ثم يعاودون العمل تحت القبة. الديمقراطية لا تتيح لهم غير هذه الحلول في ظل امتلاك الحكومة لأغلبية تؤهلها للاستمرار، وتحول دون نزع الثقة عنها.
الاستقالة هروب من تحمل المسؤولية، وتجنٍ على إرادة الناخبين.