استعير هنا عنوان مسرحية كتبها الصحفي اللبناني الصديق ابراهيم سلامة في اوائل السبعينات عنوانها « عمي يا بياع النفط» كمقدمة للكتابة في موضوع هبوط اسعار النفط عالميا.وبداية اعترف انني افهم بالاقتصاد بقدر معرفتي اللغة الصينية. لذلك اعطي القوس باريها ، واحرص باستمرارعلى عدم الدخول في حقل الزميل الدكتور فهد الفانك. الا انني اليوم اتناول قضية هبوط اسعارالنفط وتداعيات هذه العملية الطارئة ، لاعتقادي بان ما يحدث ويتواصل من انخفاض تدريجي مستمر في الاسعار، حتى هذا المستوى ، وخلال مدة زمنية قياسية ، هو قرار سياسي لا يتعلق بقاعدة العرض والطلب ، خصوصا بعد قرار الدول المنتجة بعدم تخفيض الانتاج.
والثابت ان عملية تخفيض الاسعار لا الانتاج تستهدف روسيا وايران وفنزويلا ، وتأتي في سياق فرض العقوبات وتشديد الحصار الاقتصادي على هذه الدول ، وبالتالي عرقلة خططها التنموية ، ومنعها من استخدام الاموال في التسليح وبناء قواتها العسكرية ، وربما ردعها عن تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لدول معينة معروفة في الشرق الاوسط ، وفي مقدمتها سوريا.
والولايات المتحدة والدول الاوروبية المتحالفة معها ، تعرف ان دول الخليج ستكون متضررة نتيجة هبوط اسعار النفط ، ولكنها تدرك ايضا ان باستطاعة هذه الدول الخليجية احتواء الازمة باستخدام احتياطياتها ومدخراتها المالية ، ولو الى حين.
ولكن اللافت ان الولايات المتحدة ستكون المستفيد الاول من تداعيات هذه العملية ، خصوصا ان الاخبار التي رشحت ، او اعلنت ، تفيد ان واشنطن اوقفت زيادة الانتاج من مخزون الطاقة الوطنية ، وخصوصا ، النفط المستخرج من الطبقات الصخرية ، والذي سيجعلها دولة مكتفية في مصادر الطاقة ، قبل ان تتحول الى دولة مصدرة للنفط في الاعوام القليلة المقبلة.
اما بالنسبة لنا ، فالاردن سيكون من بين الدول المستفيدة من هبوط الاسعار ، بعد مدة طويلة من الارتفاع المرهق ، الذي اجتاز حاجز المئة دولار للبرميل في وقت مضى. وقد تكون هذه فرصة للمراجعة والبحث والدراسة لاعتماد خطة وطنية للطاقة ، تعتمد على تنويع مصادرها ، مثل الطاقة الشمسية ، او استخدام الرياح ، وقبل كل شيء استثمارالصخر الزيتي ، خصوصا بعد الاتفاق مع استونيا لاستخراج النفط من الصخر الزيتي ، الذي تم اكتشافه بكميات مجدية قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وفي ذلك الوقت ، علمت من الصديق الراحل سعد التل ، عندما كان مديرا للمصفاة ، وكان متابعا لموضوع الصخر الزيتي ، ان عملية استخراج النفط من الصخر الزيتي لا تكون مجدية الا اذا وصل سعر البرميل حدود المئة دولار. ولكن اليوم اختلفت المعادلة بسبب تطوير وسائل وادوات عملية استثمار الصخر الزيتي ، اضافة الى الاستفادة من تجارب وخبرات الدول المنتجة التي سبقتنا في هذا المجال..
يبقى الشأن الاهم في هذه المسألة. اولا: يجب الحذر من شراء كميات كبيرة من النفط لأجل بعيد بالاسعار الحالية خشية استمرار هبوط الاسعار التي حدثت لاهداف سياسية وليست اقتصادية فقط. ثانيا: عندما كانت الاسعار العالمية للنفط في ارتفاع متواصل حتى بلغت ذروتها ، كانت الاسعار المحلية لمشتقات الوقود تواكب ارتفاع الاسعار العالمية ، وكانت تصطحب معها اسعار معظم السلع في الاسواق المحلية ، وكان المواطن هو الذي يدفع الثمن ، فهل ستنخفض اسعار هذه السلع اليوم بعدالة ، او بذات النسبة ؟