يعمل المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا على حشد الدعم السياسي لمبادرته المستهدفة تثبيت هدنة في حلب. فشله سيبقي على المعاناة في المدينة التي تدمرها الحرب الأهلية. نجاحه سيكرسها دليلا عمليا على تفتت سورية مناطق نفوذ يتقاسمها أصحاب القوة العسكرية ورعاتهم الإقليميون والدوليون.
مبادرة دي مستورا اعتراف بغياب آفاق حقيقية لإنهاء الكارثة. هي اعتماد لسياسة تقبل الأمر الواقع في ساحة الحرب الدولية الإقليمية التي صارتها سورية بعد ثلاث سنوات من ثورة شعبها على استبداد نظام الأسد.
تبني هذه السياسة يعني إقرارا دوليا وإقليميا بأن أقصى ما يمكن تحقيقه هو وقف مؤقت للقتال في مناطق ومدن سورية تتوازن فيها قوة الأطراف المتقاتلة. وهذا تكريس عملي لتوجه اعتبار سورية ملفا مؤجلا.
يستطيع النظام السوري التعايش مع حلٍّ مؤجل في سورية لأن ذلك يحقق مبتغاه البقاء في السلطة بأي ثمن. ويستطيع ذلك أيضاً الغرب وروسيا ودول إقليمية مثل إيران وتركيا وقطر تستخدم سورية ورقة تفاوضية أو أداة لتوسعة نفوذها.
لكن لا الشعب السوري ولا جواره العربي المباشر وامتداداته قادرين على ذلك.
فأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، يزداد خطر الفوضى السورية. الأردن ولبنان في قلب العاصفة. لكن بقية الدول العربية ليست بعيدة عنها حد الاستكانة والاطمئنان. فرغم أن السياسات قصيرة المدى حاصرت التحدي في تمدد قوى الإرهاب وفي العبء الاقتصادي الذي يمثله اللاجئون، فإن الخطر على المنطقة العربية يتجاوزهما ولن تحيده الحرب الحالية على داعش، أو الجهد الإنساني لتلبية حاجات اللاجئين الغذائية والدوائية.
فالقوة الحقيقية لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية تكمن في قدرتها على نشر عقائديتها لا في إمكانياتها العسكرية. ترك سورية تتقسم وتتصومل سيحيلها الأرض الأخصب لتجذّر تلك العقائدية وانتقالها منها إلى بقية دول المنطقة. وتلك حقيقة تعري سذاجة الاعتقاد بإمكانية دحر داعش في العراق من دون بتر جذورها في سورية.
وتأجيل الحل السوري سيعني حتما ازديادا في أعداد اللاجئين. سيشكل تلبية احتياجاتهم الحياتية مشكلة أكبر مع التراجع المتوقع للدعم الدولي والإقليمي لقضيتهم. لكن التحدي الأصعب سيحمله المستقبل.
مئات الألوف من أطفال اليوم سينشؤون على الجهل والغضب واليأس. هذا كابوس ستواجهه بداية الدول المضيفة. لكنه لن يبقى في حدودها عندما تستهدفهم الظلامية الداعشية تجنيدا وإقناعا بأن أحدا آخر لا يأبه بمعاناتهم.
هذا هو المستقبل الذي ستنتجه منهجية المعالجات الجزئية وتقبل الأمر الواقع التي تمثلها مبادرة دي مستورا. ذاك أنها، رغم جانبها الإنساني المحدود، تأتي معزولة عن أفق سياسي أوسع يفرض حلا شاملا للمأساة السورية.
مبادرة دي مستورا ليست بداية بصيص الضوء الذي سيكسر عتمة سورية. هي ترويج لشرارات نار سيزيد دخان حرائقها هذه العتمة قسوة. وبينما يسلّي العالم نفسه بمثل هذا الجهد البائس، يذبل كل أمل بإحياء ربيع دمشقي أحاله النظام والجهل والعجز الإقليمي والدولي موتا.