قرعت اللجنة المالية في مجلس النواب الجرس، معلنة تعليق دراسة مشروعي قانوني الموازنة العامة للدولة للعام 2015، وموازنات الوحدات الحكومية للعام ذاته؛ بانتظار تقديم الحكومة وثيقة تبين أثر انخفاض أسعار النفط عالمياً على الإيرادات والنفقات المحلية.
النواب طلبوا من وزارة المالية تقديم سيناريوهات جديدة للموازنة، تُبنى على أساس سعر 70 و80 دولارا لبرميل النفط، فيما مشروعا القانونين الموجودين حالياً بين أيدي النواب كانا قد وُضعا على أساس 100 دولار للبرميل.
قرار النواب بالتوقف عن دراسة موازنة العام المقبل، مرتبط برغبتهم في الوقوف على انعكاس تراجع أسعار النفط على بندي الإيرادات والنفقات، وهو الأمر الذي تقر به الحكومة؛ إذ تؤكد أن ثمة تراجعا كبيرا في بند دعم الكهرباء، وكذلك توقف الدعم النقدي المتعلق بالمحروقات.
الطلب النيابي يعكس أيضا عدم قناعة اللجنة المالية بالفرضيات التي قدمتها الحكومة للموازنة، ورغبة اللجنة في إحداث فرق، ولو بسيط، يسهم في الإصلاح المنشود.
النواب يؤكدون أن المتغيرات، منذ إعداد الموازنة، كبيرة ومؤثرة، لذا يلزم الأخذ بها. إذ ترى اللجنة أن النفقات يلزم أن تنخفض بنسبة 20 %، وهي نسبة تحتاج إلى إثبات من قبل النواب، لتأكيد وجهة
نظرهم.
الحكومة، وعلى لسان وزير المالية د. أمية طوقان، تطالب بالتّروي وعدم الاستعجال، خوفا من تقلبات محتملة في أسعار النفط، قد تصيب الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة في مقتل، هذا برغم صعوبة تحقق هذا السيناريو، كما يراه د. طوقان.
الفكرة تبدو غير مستساغة من الوزير الذي يناقش موقف النواب بدبلوماسية، يبدو أنه اكتسبها إبان عمله سفيرا للمملكة في سنوات سابقة.
بين مطلب النواب وموقف الحكومة الرافض وإن جاء مغلّفا بكثير من اللباقة، يبدو المطلب النيابي منطقيا، ويمكن أن يصب في اتجاه دعم الإصلاحات وتحقيق منجزات أكثر على صعيد تحسن مؤشرات الموازنة.
ويمكن للنواب إظهار نتائج إيجابية لعملهم من خلال التركيز على مشروع قانون موازنات المؤسسات المستقلة، لناحية الأثر على قيمة دعم شركة الكهرباء الوطنية. أما في الموازنة العامة، فعليهم أن يشرحوا للمتابعين كيف فندت الحكومة آثار اللجوء السوري في الموازنة العامة.
إعادة النظر في تقدير النفقات تأتي نتيجة انخفاض الكلف بمقدار مليار دينار كانت توجه لدعم الكهرباء، لكنها ستزول خلال العام المقبل نتيجة تراجع معدلات أسعار النفط بحوالي 30 % خلال الفترة الماضية، ويتوقع أن تبقى عند هذه المستويات، إن لم تنخفض أكثر، خلال العام المقبل، وفقا لتحليلات خبراء.
مزاج رئيس اللجنة المالية النائب يوسف القرنة وأعضائها، يميل إلى إحداث فرق في تفاصيل الموازنة، وليس خطوطها العريضة؛ بحيث يعاد تقدير حجم الإيرادات والنفقات تبعا لعوامل مختلفة، منها انعكاس قانون الضريبة الجديد على الإيرادات، وتأثير تراجع أسعار النفط على الإنفاق.
قرار النواب بتعليق النقاشات ربما يؤخر إقرار قانون الموازنة في موعده الدستوري، ما يضطر الحكومة إلى الإنفاق وفقا للبند 1/ 12. وحتى اللحظة، لا يمكن افتراض أنّ لخطوة النواب أثرا متوقعا، إذ لطالما تعاملت الحكومات مع نقاشات النواب بشأن الموازنة بنوع من الاستخفاف ومحاولات القفز عنها، بالإبقاء على الموازنة كما أعدتها.
لكنّ القصة ليست مماحكة ومناكفة. وعلى الطرف صاحب الرواية الأقوى أن يثبت نظريته، بحيث تنجم عن النقاش خطوة مفيدة تؤدي إلى تحسن في المؤشرات المالية.
فإعادة تقدير النفقات التي تنعكس في العادة على شكل قروض وعجز موازنة، لها أن تساعد على تخفيض حجم العجز، وهو المنجز الذي سيسجَل للحكومة في النهاية؛ أو أن تتم إعادة توجيه الأموال نحو بنود أخرى، وبما يساهم ربما بشكل أكبر في تحقيق التنمية المستدامة التي ينتظرها المجتمع منذ زمن.