من يعرف كيف تدور ماكينة الإدارة في واشنطن.. ويدرك أن كلمة واحدة يمكنها أن تغير حقائق راسخة في العقلية الاميركية وتقلب الموازين.. يتيقن ان مقابلة الملك مع شبكة (بي بي اس) الاميركية هي مباراة حوارية من طراز فاخر فاز فيها جلالته باستحقاق وكان يسجل الهدف تلو الآخر رغم متانة المُحَاور الذي هو احد اهم الاعلاميين الاميركيين اليوم.
كان الملك وهو المحمّل بأعباء الداخل والاقتصاد المنهك وتبعات اللجوء السوري..والسلام المتعثر والاستفزاز الاسرائيلي وانتهاكات الاقصى والاستيطان وصورة الاسلام وحرب التطرف والتكفير والاقليم المشتعل، يتبع ذات اللعبة الاعلامية الاميركية المُحكمة في حوار لم يسبق للمشاهد الاميركي العادي ان تابع مثله من زعيم من خارج القارة الاميركية من قبل.
هذا هو الملك ..(الأصل والصورة) في حوار فريد حمل من متانة اللغة المُخصصة للتلفزيون، الهادئة والمتزنة التي تتوقف عباراتها عندما تستشعر بكفاية الغرض..لتنقضَّ على اجابة السؤال التالي بذات المتانة والعمق المدججة بالمعرفة والمعلومة والرقم .. تمكن الملك من ادواته في لعبة إعلامٍ يلعب على التناقضات والصور المغلوطة.
تحدث عن الصورة الذهنية للإسلام وهي لعبة يضطلع بها ويبدعها الاعلام الاميركي، فكان حاسما وحازما من ان صورة المسلم في الغرب هي اهم التحديات التي تواجه فهمنا المشترك.. من كان في العالم يمكنه ان يتحدث بهذا الوضوح والعمق حول (اعلام داعش) والتزوير واجتزاء القرآن..وأزمة الشباب المخدوع؟
في التلفزيون ليس هناك محاورٌ جيد وآخر سيئ .. بل هناك ضيفٌ جيد وآخر سيئ ..في مقابلة (بي بي إس) والتي هي شبكة التلفزيون العامة المعنية بالمواطن الأميركي- يبدو ان الاختيار هو ايضا في صلب الدرس واللعبة- كان الملك هدافا مثاليا .. والا لما عكست الكاميرا لمعة الاعجاب الطاغي في عيون المذيع..!
من يقدر على تغيير قناعات الاميركيين تجاه العرب واسرائيل والقضية والاسلام والتطرف .. بتقديري، وهنا اقرأ في المشهد الاعلامي.. الملك استطاع ان يحول دفة الاسئلة المقولبة المبنية على الصور النمطية الى اجابات تفضلها العقلية الاميركية وتركن اليها حين تحاول ان تغير قناعاتها وان تتخلص من عقود من التزييف وتشويه الصور والمواقف.
"ثقتي بالله وبالمواطن الاردني"..أليست المشاعر الصادقة امام الكاميرا هي التي تصل بسهولة كما تعلمنا وخبرنا على مدى سنوات العمل ..وصلت هذه العبارة الصادقة كما هي وبما تحمل للمشاهد الاميركي حتما كما وصلتنا.. و"الفضل للشعب وارتباطه بالقيادة ..بقينا صامدين واقوياء"..
في الشأن المصري يخرج الملك عن انجليزيته الأنيقة ليقول بالعربية (مصر ام الدنيا)..أهي مصادفة؟
يتحدث بالارقام عن حجم اللجوء السوري واثره علينا..يعرض لمسيرة الاصلاح وما شابها من عقبات، عن صلاة الجمعة في الاقصى التي منعها الاسرائيليون عن ابناء القدس .. عن السلام المتعثر ويعود للتأكيد كما يفهم الاميركيون.."انا متفائل الى اقصى حد".. يفاجئ المذيع المتحضر "من أين لك كل هذا التفاؤل"؟..بث الملك في المقابلة كماً هائلاً من الطاقة الايجابية التي قرئت بوضوح على الشاشة..!
حتى حين لزم الامر انتقاد الاعلام الاميركي في عقر داره، لعبها الملك بذكاء "لو نظرت إلى تغطية وسائل الإعلام الدولية خلال الصيف، خصوصا غير الأميركية، التي من المفروض أنها كانت تغطي أوكرانيا كخبر رئيسي، لاكتشفت بأنها لم تكن تغطي أوكرانيا، بل معظم العناوين الرئيسية كانت حول غزة. إذاً حدث هناك تغير في الاهتمام".
اختزل الحكاية بالطريقة الاميركية .."كل الطرق تؤدي للقدس"..
مع تشارلي روز اعطى الملك درسا في الإعلام وفاز بفارق شاسع حتى عن توقعات المشاهد الاميركي الذي يعتقد ان اصعب ما يمكن عمله هو ان تكون رئيساً لأميركا..!
شارلي روز: ليس من السهل أن تكون ملكاً إذا؟
جلالة الملك: حسناً، ربما من الأصعب أن تكون رئيساً.