من جديد، تلجأ الحكومة للابتزاز لتمرير توجهاتها، الأمر هذه المرة يتعلق بشراء الغاز الإسرائيلي وضرورة المضي في توقيع الاتفاق مع شركة نوبل إنيرجي، للحصول على مصدر آمن ورخيص من الطاقة، بحسب ما تدّعي الحكومة.
أول من أمس تحديدا من العبدلي مقر مجلس النواب، وضعت الحكومة بدائل قاسية على طاولة النواب والشعب، في حال رفض شراء الغاز من العدو.
وتمثلت البدائل برفع أسعار الكهرباء أو اللجوء إلى الانقطاعات المنتظمة في التيار الكهربائي، في حال لم يرضخ الأردن ويستسلم لقبول الاتفاق.
الأسلوب ليس جديدا على حكومة د. عبد الله النسور، وليست المرة الأولى التي تلجأ فيها لليّ ذراع الأردنيين لتمرير غاياتها غير الشعبية، فذات مرة قالت إن البديل لعدم تحرير أسعار المحروقات هو سقوط الدينار، ولم يكن الكلام دقيقا.
الخيارات التي وضعتها الحكومة تقول للنواب بشكل مبطّن وملتف، إن لم توافقوا على الغاز الإسرائيلي فأنتم شركاء في زيادة تعرفة الكهرباء.
بدائل الحكومة أو "عقوباتها على رفض الغاز الإسرائيلي" لا يجوز أن تمرّ بدون نقاش، ليس لثنيها عن رأيها، فهي لا تنصت بالعادة.
من حيث المبدأ تعلم الحكومة أن عرض اتفاق الغاز على النواب غير وارد وتوجهات النواب غير ملزمة إلا إذا فكّر المجلس بطرح الثقة بالحكومة، كون الاتفاق تجاريا بحتا، وليس اتفاقية امتياز تضطر لعرضها على مجلس الأمة خضوعا للدستور.
الحكومة على لسان وزير الطاقة د. محمد حامد الذي قدم "لائحة الدفاع" عن شراء الغاز الإسرائيلي تقول إنها ستكون مضطرة لرفع أسعار الكهرباء، فهل للحكومة أن تخبرنا متى فكرت بالتوقف عن تنفيذ هذه الخطوة المقررة منذ سنوات ضمن خطتها لمعالجة مديونية شركة الكهرباء والممتدة من العام 2013-2017؟.
الكل يعلم أنّه لم يكن واردا أن تبقي الحكومة على التعرفة دون زيادة، استجابة لبرنامج التصحيح مع صندوق النقد، حتى مع تراجع أسعار النفط بنسبة تتجاوز 30 %.
أما مسألة اللجوء إلى الانقطاعات، فهي لا ترتبط بسعر الكيلوواط النهائي، بل بقدرة الحكومة على إدارة قطاع توليد الكهرباء الذي يعاني من تشوهات كثيرة، بسبب تخبّطها في إدارته، فتارة تقول إنها ستطرح عطاءات الطاقة المتجددة على شركات محلية وفق ثلاث مراحل ثم تتراجع عن الخطوة من أجل عيون مستثمر عربي قال إنه سيوفر 1000 ميغا واط، بدلا من كل الشركات المحلية مجتمعة، لنكتشف بعد ذلك تردد المستثمر في التنفيذ!.
بناء على كلام الوزير سينتهي العمل بميناء الغاز منتصف العام المقبل، ويمكن استيراد الغاز الطبيعي من الأسواق العالمية، عندها ستكون الحكومة قادرة على استيراد الغاز المسال بواسطة البواخر عبر ميناء العقبة؛ حيث استأجرت الحكومة باخرة لهذه الغاية منذ العام 2013 تقدر قيمة ايجارها بحوالي 40 مليونا سنويا، والوزير نفسه يقول انه تم الاتفاق مع شركة شل لتوريد 150 مليون قدم مكعب يوميا وهذه الكمية قابلة للزيادة من خلال اتفاقيات أخرى.
ما لم يتحدث عنه الوزير هو إنتاج الطاقة من الصخر الزيتي والمفاعلات النووية، ربما لتجنب الجدل النيابي حول الموضوع، وهو الذي يكفل توفير مصدر رخيص للطاقة ويحقق التنمية المستدامة.
الخطاب الطويل والمفصل الذي قدمه الوزير (أنصح بقراءته)، أعاد التأكيد من جديد على أن الحكومة ماضية في تطبيق مبدأ تعدد مصادر الطاقة وضمن هذه الرؤية إن تمكنت من تحقيقها.
لا أحد يعلم لماذا الإصرار على الغاز الإسرائيلي، كلام الوزير نفسه ينفي الحاجة للغاز الإسرائيلي لأن البدائل التي أسهب في شرحها تغنينا عن غاز المحتل.
بعد كل هذا الاسترسال يعود الوزير للقول إن الحل هو الغاز الإسرائيلي كمن يناقض نفسه ويستخدم كل السبل لتحقيق الغاية، مع فارق أنه يلعب على قاعدة المفاضلة بين قناعات المجتمع ومصالحه الحياتية.
فقط على الحكومة أن تتذكر أن ابتزازها ابتزاز صغير، مقارنة بالابتزاز الاسرائيلي مستقبلا.