عندما يفقد الإنسان عقله وينحط إلى مستوى الغرائز ويغطي ذلك بسيل من الفتاوى والتأويلات لا يعود صاحب فكرة، أي فكرة حتى لو كانت مغالية أو متطرفة أو متشددة، بل يتحول إلى أكثر البهائم وحشية ويصبح أسيرا لرائحة الدم.
ذلك أن التطرف والتشدد كما الاعتدال تنويعات أيديولوجية ضيقة لا تقبل الآخر، ولكنها لا تفترض قطع الرؤوس وفلق الهمات وهتك الأعراض باسم السبايا والجواري.
وأكثر ما يخدم هذا النمط الغرائزي من البهائم المتوحشة هو تسويقهم وترويجهم كمتطرفين أو متشددين، إذ تجدر الإشارة لهم دائما بالصفة التي تلائمهم، البهائم، وفي أحسن الأحوال كمرضى.
نعم، الوحش مخيف، وقد ينجح في دب الذعر بين جنسه وضد بني آدم لكن الأصل والقاعدة أن الإنسان بما يملك من عقل وقدرات مؤهل بالقليل من الشجاعة ورباطة الجأش على مواجهته وتحطيمه.
ومن السذاجة طبعا البحث عن أشكال من الحوار والمقايضات معه، فمن يحاور بهائم متوحشة.
إذا كانت صورة المسخ المعروفة في حكاية فرانكشتاين صورة عامة تصلح لكل الشعوب والأزمان، فإن صورة المسخ الذي يصول ويجول في الشرق العربي هذه الأيام تعود لقرنين من الزمان ترافقا مع بداية الاستعمار التقليدي، الفرنسي والبريطاني للبلاد العربية.
فجنبا إلى جنب مع الأساطيل والمدافع كانت فرنسا وانجلترا تبرران استعمارهما ونهبهما للشرق، بتقديم صورة مشوهة للعربي والمسلم سواء عبر اللوحات التشكيلية أو الروايات أو الاستشراق والحفريات المعرفية المختلفة. وقد حفلت جميعها بصورة أقرب إلى البهائم والمتوحشين مقدمة أو ذريعة لإبادتهم واستعمار بلدانهم.
وكانت صورة الأغيار "البهائم" في التوراة الذين لا يستحقون الحياة هي المرجعية الدينية لهم.
هكذا وبعد قرنين على تلك الأراجيف يعود الاستعمار الأوروبي والأمريكي لرسم صورة مكررة تبرر عودتهم لنهب الشرق والسيطرة عليه، وليست مشاهد الذبح وقطع الرؤوس وهتك الأعراض مجرد أساليب متطرفة عند هذا الإرهابي التكفيري أو ذاك بل مشاهد مبرمجة عند القوى التي تنفذها وترعاها وتمولها في مطابخ اليهودية العالمية والرأسمالية المتوحشة في العواصم الأطلسية والعثمانية الجديدة.