ما يحدث في مجلس النواب يدعو للأسى والأسف، ويدل دلالة قطعية أن المجتمع قد وصل إلى حالة متقدمة من الانحطاط الثقافي، والتخلف في الوعي السياسي والاجتماعي. في حين من المفترض أننا قد أطلقنا العنان للتقدم على كل الصعد ولكن العكس هو الذي يحصل.
في خمسينيات القرن الماضي كانت الحركة السياسية على أشدها ولم تكن مرتبطة برجل أو امرأة، بل الكل شركاء في الوطن وفي التظاهر وفي القمع الذي تعرضوا له نتيجة حركتهم النضالية، نساء ورجالا، ونتحدث عن تلك المرحلة والنفس تعتريها الحسرة، عندما نذكرها في زمن الديمقراطية العرجاء التي نعتقد أننا نعيش في أجوائها.
من المفترض أن قوة التقدم وحركة التاريخ تدفع الأفكار والمجتمعات والأفراد إلى التقدم بوعيها وأفكارها وإنتاجها الصناعي والزراعي والمعرفي، لكن العكس في الحالة العربية والأردنية هو ما يحدث، فنحن مجتمعات تغلّب التخلف على التقدم، والكسل على العمل، والغوغائية على النظام وغيرها وغيرها. الصخب والهيجان الذي اعترى المجلس "وتلطيش" الكلام من قبل بعض النواب لبعضهم بعضا، أدى لمزيد من الخسارات لمجلس النواب في عيون جماهير الناس، وكل يوم نكتشف ضعف المجلس وضعف ممثلي الشعب، وأن منظومة قانون الصوت الواحد قد أدت إلى تفكيك المجتمع لا بل أفقدته كذلك منظومته القيمية التي كانت مكونا أصيلا من مكونات المجتمع الأردني.
وأصبح المجلس عبارة عن تجمع للكسبة والتجار والطامحين لتكديس الثروة والجاه، على حساب الوطن والقضايا المركزية التي يتوقف عليها مستقبل الوطن بأسره، حتى أن سفير العدو الصهيوني في بلدنا، أخذ يتندر على مجلس الشعب، وبتندره هذا وصل إلى جميع الأردنيين لأن المجلس، شئنا أم أبينا، سيبقى ممثلا للشعب، سواء اختلفنا أو اتفقنا على شكل ومضمون هذا المجلس. كنا نعتقد أن المجلس في مثل هذا الحدث الجلل سيهب دفاعاً عن الأمة في وجه سفير العدو، ولكن مر الحدث كغيره من الاحداث، وكأن شيئاً لم يكن!
في غمرة اسكتي يا هند واقعدي يا هند ونواب "البسطات" وغيرها من عبارات الردح المنظم كان من المفترض على مجلسنا أن يقوم بواجبه تجاه القوانين التي تهم مستقبل المواطن الأردني.
اقتبس ما كتبه الصديق الشاعر طلال العكايلة على صفحته "في الوقت الذي انشغل فيه المواطن الأردني بمتابعة مشاجرات مجلس النواب، كان هناك قانون يمر تحت أستار هذه المشاجرة وهو قانون ضريبة الدخل الذي يحمّل الأردنيين أعباء إضافية سواء بانعكاسه على دخولهم أو قروضهم البنكية التي تعكسها البنوك بسبب رفع الضريبة على قطاع المصارف، دون وضع نص حماية للمواطن يمنع البنوك من رفع الفوائد أو المرابحة إضافة إلى شمول العقارات سواء بالبيع أو التأجير لقانون ضريبة الدخل الجديد إلى غير ذلك من الالتزامات الجديدة".
افتعال المشاجرات داخل مجلس النواب مقصود لتمرير مشاريع القوانين التي تمس حقوق الأردنيين وتفرض عليهم التزامات جديدة.