لستُ من أنصار "الكوتا" النسائية؛ إذ هي، من وجهة نظري، أسلوب مشوه لتمكين النساء. فالأصل في "الكوتا" مساعدة الأقليّات المغلوبة على أمرها، التي لا تجد بيئة حاضنة مؤاتية تمكنها من حقها في التمثيل والمشاركة، والمرأة ليست كذلك؛ فهي نصف المجتمع إن لم تكن أكثر.
ولستُ من دعاة المساواة "الجندرية" القائمة على المطالبة بتمثيل النساء وفقا لمبدأ "المحاصصة"، بل الأساس هو الإيمان بحصول المرأة على حقوقها استناداً إلى ما تتمتع به فعلاً من كفاءات وقدرات، وليس عبر المنح والعطايا والهبات. ونساء الأردن مؤهلات. وعلى كل من لا يرى ذلك أو يحاول إنكاره، النظر إلى أمه التي ولدته ورعته، حتى قدمته للدنيا سياسيا، لكنه حينها صار يجاهر بجندريته وأفكاره الرجعية للانقضاض على حقوق المرأة، وبالتالي إنسانيتها.
لكن بغض النظر عن الاقتناع بمبدأ "الكوتا" من عدمه، فإن السيدات النواب هن في النهاية ممثلات عن نساء الأردن، على الأقل بحكم القانون؛ واحترامهن يأتي من هذا الباب.
وثمة ملاحظات كثيرة على أداء بعض السيدات النواب، بحيث لا يبدو صعبا تصنيفهن إلى ثلاث فئات. الأولى، تشمل سيدات نوابا محترفات بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ منافحات عن حقوق المجتمع وقواعدهن الانتخابية. والثانية، تضم صاحبات الصوت العالي، الباحثات عن مكتسبات خاصة. فيما تجتمع في الفئة الثالثة من لا نتذكر حتى أسماءهن.
كل ذلك يضطرنا إلى مراجعة تجربة "الكوتا" بعد مضي سنوات على تبنيها. والظاهر أنها لم تفلح في تغيير النظرة النمطية للنساء، فأبقت على تلك النظرة القاصرة نحوهن.
والاختبار الحقيقي لدور "الكوتا" في تمكين النساء يتمثل ربما في إلغائها؛ لنكتشف بعد ذلك كم امرأة ستجلس تحت القبة. وأخشى أن تكون النتائج، في حال تطبيق ذلك، كارثية، بحيث لا نرى امرأة في العبدلي، وربما تفاجئنا بعض السيدات النواب المؤهلات بالفعل، فيحتللن موقعهن المستحق تحت القبة.
لا يمضي أسبوع إلا وتقع حادثة تؤكد لنا أن هناك الكثير مما يتوجب على المجتمع، رجالا ونساء، فعله. فأحوال النساء ليست إلا انعكاسا لأحوال المجتمعات عموماً، والتي يأخذها التطرف أكثر فأكثر.
لكن ذلك لا يعني الهجوم على السيدات النواب تحت القبة بطريقة قاصرة، تكشف حالة العصبية التي يعيشها المجتمع بكل أطيافه. فالكلام الذي قيل تحت القبة أول من أمس، يؤكد أن أمام المجتمع رحلة طويلة من العمل الشاق، بعد أن تكشفت عيوبه ونظرته السطحية للنساء.
التطرف ليس فقط بالفكر الإرهابي الذي يميل إلى القتل والتنكيل بالناس، بل هو يتمثل أيضاً في محاولة إلغاء الآخر معنوياً، وتقزيمه، تبعا لرغبات وأفكار تخدم النظرة الذكورية، وآمالها في الإبقاء على فكر بطريركي يسطو على كل شيء، ويجيّر كل ما هو متاح لخدمة نزعات أصحابه بالتفرد.
ما حدث أول من أمس، هو ردح سياسي مارسه نواب تحت قبة البرلمان. الأمر الذي يؤشر مجددا على عيوب خلقية في هذا المجلس الذي لم يرتقِ أداء كثير جدا من أعضائه إلى تطلعات المجتمع، وما يزال غارقا في مشهد مثير للغضب. وهو يقدم، بالتالي، دليلا جديدا على أن قانون الانتخاب الحالي لم يفرز أفضل ما لدينا، وعلى مستوى يرتقي إلى حساسية المرحلة الراهنة وحجم التحديات. ما يقتضي أن ننظر إلى الأمام، ونراجع ما تم في الماضي.
للأسف، دائما يفاجئنا الكثير من النواب بعرض مسرحي بائس، يؤكد لنا أن السير على الطريق الصحيحة ما يزال بعيداً. وللأسف، قد يكون النائب يحيى السعود الذي انقلب فجأة إلى داعية يطالب النساء بالصلاة في مخدعهن، الأكثر تعبيرا عن قناعات مجتمع ما يزال ينظر إلى النساء بدونية.