خلال دراستي الجامعية كانت زميلتنا تفلسف
لنا النظرية النسبية لآينشتاين بطريقة (جرة الغاز)، بعيدا عن المعادلات الفيزيائية
المعقدة، فتقول بجدية: النظرية النسبية ببساطة تعني أن كل شيء نسبي، فأسطوانة الغاز
مثلاً شيء نسبي. فهي ثابتة السعة والكتلة، لكنها تدوم عند العائلة الكبيرة أسبوعاً
واحداً على الاكثر، وتكفي العائلة الصغيرة لشهرين على الأقل. وهذا شيء نسبي. مفهوم؟
أما زميلنا فكان يشرح النظرية بطريقة غرامية
أكثر سلاسة فيقول: ضع يدك على (روديتر) شديد الحرارة لدقيقة واحدة، فستشعر وكأن الأمر
دام ساعة أو ساعتين أو دهراً، ولكنك عندما تجلس مع فتاة حسناء في النادي، فسوف تشعر
أن جلوسك لم يدم إلا دقيقتين، رغم أنك ضربت (طنشت) من أجلها محاضرتين. هذه هي النسبية.
أليس كذلك؟!.
بالطبع النظرية النسبية تحرص على استبعاد
كل ما هو نسبي، للوصول إلى صيغ ثابتة للقوانين، لا تعتمد على ظرف المشاهد أو المراقب
وموقعه. ولهذا لفتتني صرخة أحد أصدقائي على الفيسبوك نهار أمس، بعدما خفضت الحكومة
سعر المشتقات النفطية مع الإبقاء على سعر جرة الغاز ثابتاً: (الظاهر انو جرة الغاز
ليست من المشتقات النفطية، بل من المشتقات اللبنية!، ولهذا لم يلحقها تخفيض. ربما يعبئونها
بحليب النعاج؟).
قريباً من المعادلات وتعقيداتها، فحياتنا
لا تنطبق عليهم قوانين الفيزياء، إلا في موضوعة الحرارة النوعية (فنحن نحمى بسرعة كالحديد،
ونبرد بسرعة كالحديد أيضاً). ولكن أسواقنا تخالفنا تماماً، فإذا ارتفعت سلعة بسب إرتفاع
سعر برميل النفط، فهي ستبقى ثابتة على ذات السعر ومرشحة للإرتفاع فقط إلى يوم يبعثون،
حتى ولو صار برميل النفط بقرشين ونص: (اللي بيطلع عنا ما بينزل: شمووووخ).
فلا أحد يلمس أن تاجراً من تجارنا الاشاوس
أنقص سعر سلعته تمشياً مع التخفيضات في أسعار المشتقات النفطية المتتالية منذ سنة تقريباً،
ولكن لو يرتفع البنزين قرشا واحدا، فسيقول لك بيّاع العرباية على ناصية الشارع إذا
سالته عن رفعه لسعر كأس الترمس: كأنك ما عرفت ارتفاع سعر الهباب؟.
بما أننا لن نستطيع تطبيق النظرية الحقيقية
مع جرة الغاز، وخضوعها لقوانين وقياسات ثابتة ومعروفة، فأرجو أن نتذكر العائلات التي
لا تكفيها جرة الغاز لأكثر من يومين في البرد، ونطلب من أصحاب القرار أن يضعوا رؤوس
أصابعهم لدقيقتين على (روديتر) الأسعار؛ ليقيسوا حجم ما يعانيه من هو ملقى حتى شوشة
رأسه في مرجل النار!.