تخيلوا كيف تكون حالنا لو لم يكن لدينا في عمان سفير وسفارة إسرائيليان. مؤخرا، لاحظت أن أهمية السفير تتجاوز ما "تهذرهم" به الحكومة من كلام عن الأثر الإيجابي الذي يجنيه الفلسطينيون تحت الاحتلال من وجود السفارة والسفير. ثمة فوائد أعظم يحققها ساستنا، ونوابنا، وقادة أحزابنا من وجوده. فأسهل طريق لنيل الشعبية وكسب قلوب الناخبين، هي أن تهاجم السفير الإسرائيلي وتطالب بطرده، من دون أن يُطرد بالطبع. وتصبح المكاسب أكبر لو أن السفير رد على الهجوم بهجوم مماثل؛ عندها ستنال أجرين. المؤكد أنك ستتحول إلى بطل شعبي.
إن كنت نائبا، فاحرص على المطالبة بطرد السفير تحت القبة، واتفق مسبقا مع أحد المصورين ليكون جاهزا لالتقاط صورك وأنت في حالة انفعال؛ لأنك ستحتاجها في الحملة الانتخابية المقبلة. وإن كان ممكنا تسجيل اللقطة تلفزيونيا، فذلك أحسن وأحسن.
طرد السفير الإسرائيلي أهم من المطالبة بسحب السفير الأردني من إسرائيل. المطلب الأول أشد وقعا على نفوس الناس؛ ففعل الطرد أمضى من فعل السحب، خاصة إذا كان السفير الأردني مسحوبا، كما هي الحال الآن، فبماذا تطالب غير طرد الإسرائيلي اللعين؟!
كان رد السفير الإسرائيلي على ما صدر من مواقف نيابية بعد المواجهات الأخيرة في القدس المحتلة، هدية من السماء لعديد النواب. ماذا يريد الشعب أكثر من ذلك ليستعيد الثقة بنوابه الأشاوس؟! سفير دولة العدو الغاصب المحتل الإرهابي منزعج من مواقفنا، ويحسب حسابنا، بينما أنتم، معشر الشعب الكريم، لا تأخذون كلامنا مأخذ الجد.
الإخوان المسلمون شعروا بالغيرة من النواب. فمع أنهم قاطعوا الانتخابات النيابية، ولم يتوانوا عن توجيه الانتقادات للنواب على مواقفهم "المتخاذلة" بشكل دائم، إلا أنهم اضطروا لتثمين موقف النواب في معركتهم مع السفير الإسرائيلي، علهم يحظون بقسط من الثناء الشعبي.
والحكومة لا يضيرها الأمر في شيء؛ فما دام مزاد الشعبية مفتوحا للجميع، فلماذا تتعفف هي من دون خلق الله؟! يقف النواب لقراءة الفاتحة على أرواح منفذي العملية الفدائية في القدس، فيقف معهم الرئيس والوزراء. يرسل موظف في رئاسة الوزراء بشكل روتيني ويومي برقيات العزاء لذوي المتوفين، ويصدف أن يكون شهداء عملية القدس من بينهم. إسرائيل تحتج؟ ليكن ما دام خطأ غير مقصود؛ ما المانع من تمريره شعبيا، من دون تعليق أو توضيح؟
الحكومات طالما تركت للنواب هامشا واسعا من الحرية في قول وفعل ما يرغبون فيه إن كان ذلك لا يؤثر بشكل مباشر على خططها. نقد إسرائيل بكل الوسائل المتاحة مثال على ذلك. بوسع النواب أن يشتموا إسرائيل متى شاؤوا، وأن يحرقوا علمها تحت القبة، والمطالبة بطرد سفيرها؛ لا أحد يحاسبهم على ذلك. لكن إن فكر بعضهم في طرح الثقة بالحكومة على سبيل المثال، أو تعطيل تشريع مهم، عندها فقط تشتغل الهواتف تحت القبة.
لا يشك المرء في مشاعر جموع المواطنين المعادية للاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية، وأطماعه اللئيمة في منطقتنا وبلادنا. لكن هناك من السياسيين من يتاجر بهذا العداء، الذي تحول بالفعل إلى صناعة تدر شعبية بأقل التكاليف.
ماذا لو فكرت الحكومة فعلا في طرد السفير الإسرائيلي؟ المرجح أن كثيرين سيتوسلونها كي لا تُقدم على هكذا خطوة، تدمر صناعة منتعشة.