أشرنا في المقال السابق الى إجماع المحللين والاقتصاديين وعدد مهم من أصحاب القرار الاقتصادي في مجلس التعاون على ان اختلاف عناصر البيئة الاقتصادية الكلية لدول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بكل من الاردن والمغرب من الاسباب الرئيسية لتعثر هذا الانضمام نظرا لارتفاع تكاليف هذا الانضمام مقارنة بعوائده في ظل عدم تشابه الهياكل الاقتصادية واختلاف البيئة الاقتصادية الكلية بين دول المجلس والاردن فالمملكة على سبيل المثال تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض كبير في دخل الفرد وحيث يبلغ متوسط دخل الفرد في دول الخليج ما بين عشر الى اثنا عشر ضعف دخل الفرد في الاردن وهذا بالطبع ينعكس على القوة الشرائية للمستهلكين وينعكس على الإنفاق والادخار و يقف عائق امام تجمع اقتصادي ناجح اضافة الى التفاوت الواضح بين معدلات النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج مقارنة بالأردن أضافة الى اختلاف معدلات التضخم والذي يشكل عقبة لأي جهود لضم الاردن والمغرب الى اتفاقية الاتحاد النقدي اضافة الى الاختلاف الكبير في الهياكل القانونية بين الاردن والمغرب من جهة ودول المجلس من جهة أخرى نتيجة فرض ضرائب على الدخول وضرائب جمركية على الواردات وضرائب مبيعات وضرائب أخرى تحت مسميات مختلفة وحيث تشكل هذه الضرائب نسبه هامة من ايرادات هذه الدول وإلغاء هذه الضرائب او تخفيضها يتطلب تعويض هذه الدول عن هذه الإيرادات اضافه الى الاختلاف الكبير في نسبة الإيرادات الحكومية والإنفاق الحكومي والدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي بين دول المجلس والأردن كذلك التفاوت الكبير في التصنيفات الائتمانية لدول الخليج مقارنة بالأردن نتيجة امتلاك معظم دول الخليج صناديق سيادية واحتياطات مالية ضخمة والانضمام سوف يترتب عليه ايضا حرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال والعمالة مع منح العمالة الأردنية والمغربية الأولوية بالنسبة لفرص التوظيف المتوفرة مثل التي تمنح لمواطني دول المجلس ونتيجة للفوارق الكبيرة في الأجور والرواتب بين العاملين في دول الخليج من جهة والأردن والمغرب من جهة أخرى فانه يتوقع حدوث تدفق كبير من العمالة الأردنية والمغربية لدول الخليج في ظل حريه التنقل عند الانضمام الى المجلس.
واسواق العمل في دول الخليج قد لا تكون مستعدة لاستيعاب هذا التدفق الكبير مع الإشارة الى الدور المهم الذي لعبته العمالة الأردنية في دول الخليج وفي مقدمتها تعزيز احتياطات العملة الأجنبية وميزان المدفوعات الاردني كما ان المستوى الضعيف من التجارة البينية يعطي مؤشرات الى صعوبة خلق فرص مهمة للتجارة بين هذه الدول وعلى الجانب الآخر يرى بعض السياسيين في الخليج ان توقيت دعوة الانضمام تعتبر ضربة سياسية استباقية للحفاظ على الاستقرار السياسي لهاتين الدولتين الملكيتين مع ملاحظة خروج المجلس لأول مرة عن تركيبته الجغرافية كدول مطلة على الخليج العربي الى تركيبة اوسع عربيا وخصوصا المغرب علما بان المجلس كان حذرا ومتحفظا في تعامله مع اية طلبات لتوسيع اندماجه مع دول أخرى في المنطقة وحيث رفض عضوية اليمن والتي تشكل الامتداد الطبيعي والعمق الاستراتيجي لدول الخليج ومجلس التعاون الخليجي الذي تأسس منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي كان هدفه تحقيق اندماج اقتصادي وأمني استنادا الى مرتكزات تاريخية وجغرافية وثقافية وقد مر هذا المجلس بمراحل التدرج الطبيعي لأي اندماج إقليمي حيث انتقل من منطقه للتجارة الحرة عام ١٩٨٣ الى اتحاد جمركي ثم الى سوق مشتركة مع الإشارة الى انه وبالرغم من مرور فترة زمنية طويلة على تأسيس المجلس إلا ان العديد من الأهداف الاقتصادية والمالية لم تتحقق بعد ومنها إصدار العملة الخليجية الموحدة كما هو الحال في أوروبا والتي كان من المفترض ان ترى النور عام ٢٠١٠ وتحقيق الاتحاد النقدي الخليجي ومقر للبنك المركزي الخليجي اضافة الى عدم التمكن من إطلاق تكتل اقتصادي متكامل بالرغم من التشابه الشديد في الخصائص الاقتصادية والسياسية لدول المجلس وهذا بالطبع يعطي إشارات للمسؤولين الخليجين عن العقبات التي تواجه انضمام الاردن والمغرب الى هذا المجلس والتي تختلف بصورة جوهرية عن باقي الأعضاء بالتالي فان عملية الضم لا تتم خلال فترة زمنية قصيرة بل تستغرق فترة زمنية طويلة يتم خلالها تهيئة الدول الجديدة للانضمام دون خلق مشكلات جوهرية للتكتل سواء في تعديل الأنظمة والتشريعات وانظمة الضرائب وغيرها وحيث يرى معظم الاقتصاديين ان الاعتبارات السياسية لعبت دورا هاما في هذا الانضمام وبالمقابل ترى معظم دول المجلس ان الاردن والمغرب تشكل عمقا استراتيجيا وقيمة مضافة لها على كافة المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاردن اثبت انه شريك يعتمد عليه في تامين الحدود الشمالية للسعودية وقدم مساهمة هامة في تحقيق الأهداف الأمنية لدول خليجية أخرى وحيث تعتبر القوات الأردنية الأكثر حرفية على مستوى العالم العربي واذا كانت دول الخليج تملك ثروة كبيرة تحت الارض وهي ثروة البترول والغاز وحيث تشكل ايراداتها النفطية العمود الفقري لصادراتها وايراداتها الحكومية فان الاردن تعد مستورد صافي للنفط بينما تملك ثروة هامة فوق الارض من العقول والأدمغة والثروة البشرية في كافة التخصصات وكان لها مساهمة واضحة في تقدم وتطور دول الخليج وقادة دول الخليج كما هو معلوم اتفقوا كخطوة اولى وسريعة على إنشاء صندوق تنمية بقيمة خمسة مليارات دولار للأردن والمغرب تتقاسمه الدولتان لدعم مشاريع التنمية في البلدين والسعي الى شراكة مع الدولتين بينما يتخوف بعض السياسيين والاقتصاديين في المنطقة من الفجوات الاقتصادية والسكانية والاجتماعية بين دول الخليج من جهة والأردن والمغرب من جهة أخرى مع الإشارة في هذا الموضوع الى عقده انضمام اليونان للاتحاد الاوروبي . والأردن يعتبر من افضل البلدان التي تطبق إصلاحات اقتصادية مقارنة بغيره من الدول متوسطة الدخل بالرغم من العديد من التحديات وفي مقدمتها اعتماده الشديد على وارادات الطاقة مع تطلعه عند الانضمام الى شرائها من دول الخليج بأسعار تفضيلية مما يخفف العبء عن كاهل الموازنة العامة اضافة الى معاناته من ارتفاع معدل البطالة والاعتماد على تحويلات المغتربين والضغوط الكبيرة على الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه وايجاد الظروف المناسبة لزيادة استثمارات القطاع الخاص مع الاخذ في الاعتبار ان الانضمام الى دول المجلس سوف يساهم في تدفق استثمارات القطاع الخاص الخليجي والذي سوف يسهم في زيادة معدلات النمو باعتبارها ذات قيمة مضافة عالية مما يؤدي الى حل مشكله البطالة وتخفيض معدل الفقر وبعض الاقتصاديين يرى ان تقديم حزمة من التسهيلات والحصول على معاملة تفضيلية هو خيار مناسب للأردن في الوقت الحالي نظرا الى انه لا يتطلب تعديلات على هيكلية الاقتصاد وما تزال بعض التصريحات تشير الى ان بطء الإجراءات من الأسباب الرئيسية لتأخير الانضمام اضافة الى عدم وجود إجماع من دول المجلس في الوقت الحالي على هذا الانضمام وللحديث بقية.