ترك بيان الأمن العام حول سطو ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الرومانية على أجهزة الصراف الآلي لبنكين أردنيين، وسرقة كامل محتوياتها من الأموال، الأسئلة المهمة في الحادثة معلقة من دون إجابات؛ وركز بدلا من ذلك على سرعة الجهاز الأمني في الكشف عن هويات مرتكبي الجريمة الإلكترونية بوقت قياسي. مع أن الحقيقة المؤلمة التي يقرّ بها بيان الأمن العام، هي أن الأشخاص الثلاثة دخلوا البلاد ونفّذوا جريمتهم، ثم غادروا بأمن وأمان!
وسائل الإعلام المختلفة قنعت ببيان الأمن المقتضب، ولم تبذل أي جهد لتقصي الأحداث وكشف تفاصيلها، والبحث عن أجوبة للأسئلة المعلقة: كيف تمكن ثلاثة أشخاص من تفريغ كامل محتويات أجهزة الصراف الآلي من الأموال، من دون أن يشك فيهم أحد في البنوك المعنية؟ وكيف يمكن لأشخاص يحملون مبالغ نقدية تقدر بعشرات الآلاف أن يعبروا بها حلقات التفتيش في المطار من دون أن يتم استجوابهم أو توقيفهم؟ وقبل هذا، ألا يثير دخول ثلاثة أجانب البلاد من دون أن يكونوا ضمن "جروب سياحي"، ولا يحملون صفة رجال الأعمال، شكوك الجهات الأمنية، في وقت يفترض أن تكون حساسيتنا الأمنية في أعلى درجاتها تجاه المسافرين المجهولين؟
وثمة أسئلة أخرى على وسائل الإعلام ملاحقتها: لماذا اختار هؤلاء الأردن لتجريب أسلوب غير معهود من قبل في السطو على أجهزة الصراف الآلي؟ هل لمعرفتهم بوجود ثغرات في أنظمة الحماية لأجهزة الصرافة الآلية في الأردن؟
والسؤال البدهي الذي مر عليه بيان الأمن العام بسرعة: ما هي الحيلة الإلكترونية غير المسبوقة التي تمكن الرومانيون الثلاثة من خلالها سحب هذه المبالغ الكبيرة بكل سلاسة ويسر؟
مما هو متاح من معلومات شحيحة حول الحادثة، ومن الأسئلة المعلقة من دون إجابات، يمكن ملاحظة العديد من الثغرات الأمنية؛ بدءا من رحلة الرومانيين الثلاثة إلى الأردن، وإقامتهم في شقة مفروشة، وسطوهم على أجهزة الصراف بهذه السهولة، وانتهاء برحلة المغادرة إلى ديارهم، من دون أن يشتبه بهم أحد.
في كل محطة من تلك المحطات هناك ثغرة أمنية واضحة، ترقى إلى مستوى التقصير في أداء الواجب.
مثل هذه الحوداث تهز ثقة المواطنين والمستثمرين بنظرية الأمن والأمان المعروفة عن الأردن، وتكرس ما يردده البعض من أن استقرارنا محض صدفة لا غير.
هذا القول ليس صحيحا بالطبع. المنظومة الأمنية في الأردن تعمل بفاعلية، والدليل هو السرعة القياسية في الكشف عن الأغلبية الساحقة من الجرائم التي تقع كل يوم. لكن ذلك لا يعني عدم وجود ثغرات في تلك المنظومة، تظهر في مناسبات عديدة، وأحيانا في حالات خطرة لا يمكن تعويضها؛ كما الحال في سرقة أجهزة الصراف الآلي التي تحملت البنوك خسائرها المالية. بيد أن الخسارة الكبرى، لا بل المهينة، هي في تمكن بضعة أشخاص من الدخول إلى بلادنا وسرقة أموال مودعة في خزنات محكمة، ثم مغادرة البلاد من دون سؤال أو جواب. كيف حدث هذا؟