عاصفة من العيار الثقيل أثارتها شركات الحج والعمرة وجمعية وكلاء السياحة، ويبدو ان هناك ملفاً جديداً من ملفات الفساد سيتم فتحه. شركة (خاصة) تم ترخيصها قبل سنتين تقريبا بقرار استثنائي بدأت تتوسع وتمارس نشاطاتها وأصبحت هذه النشاطات تمس شريحة كبيرة من المواطنين، وقطاعا لا بأس به من القطاعات العاملة في الاردن. وتتلخص الحكاية ان هذه الشركة حازت على قرار استثنائي من رئاسة الوزراء لترخيصها كون رأس مالها اجنبي 100%، اي انه لا يوجد فيها شريك اردني، وهذا الاستثناء مسموح به فقط بتنسيب من مؤسسة تشجيع الاستثمار للشركات التي تفتح مجالات لتشغيل الايدي العاملة الاردنية، ولجلب العُملة الصعبة الى البلد.
فإذا علمنا ان هذه الشركة تسببت بإغلاق ما يقارب ثمانين مكتباً كانت تقدم الخدمة للمواطنين الاردنيين الراغبين بالعمل او الزيارة او المرور في الاراضي السعودية وتعيل هذه المكاتب اكثر من مائتي موظف بعائلاتهم، وهي اي الشركة مرشحة ايضاً لإغلاق اكثر من ثلاثمائة مكتب حج وعمرة وفروعها تعيل آلاف الموظفين وعائلاتهم، مقابل تشغيل عشرات من الاردنيين، وأنها تقوم بتحويل اموال الاردنيين الى خارج البلد يومياً مقابل الخدمات التي حظيت بها بشكل خاص واحتكاري (يمنع على غيرها تقديم هذه الخدمات)، ولا تجلب الى الوطن اي مبالغ مالية تذكر.
فإذا كانت هذه الشركة الخاصة التي تغير سجلها التجاري ثلاث مرات! كذلك، فما هو الداعي والحافز الذي دفع رئاسة الوزراء لإعطائها ترخيصاً استثنائياً؟!
الامر الاخر ان هذه الشركة ذات مسؤولية محدودة برأس مال فقط (50000) دينار اردني، اي ان مسؤوليتها تنحصر في خمسين الف دينار لا غير، علما بأنها تتعامل يوميا بمئات الالوف من الدنانير تصل في بعض الاحيان الى ملايين وتصدرها الى خارج الوطن وإذا حدثت اي مشكلة مع هذه الشركة فسنكتفي بالخمسين ألفا. اما غايات الشركة فحدث عنها ولا حرج، فقد مُنحت غايات محظورة على شركات اردنية 100% وبدون كفالات ولا ضمانات ولا تعقيدات من تلك التي تتحفنا بها وزارة الصناعة والتجارة عند الترخيص.
ويبدو ان عدد الزائرين والعاملين والمارين في الاراضي السعودية لم يعد يكفي فكان القرار الجريء والغريب الذي تم تأجيله خوفا من ردة فعل الناس بإجبار كل من يرغب بأداء مناسك العمرة الذهاب الى هذه الشركة لأخذ البصمة الحيوية وصورة الوجه مقابل مبلغ مالي لكل بصمة (وهذا المبلغ قابل للزيادة حسب الحاجة للسرعة) ويجب ان يكون الذهاب للتبصيم حسب مواعيد تحددها الشركة المحظوظة!.
فإذا علمنا ان عدد المعتمرين الاردنيين في الموسم الذي لا يتجاوز السبعة شهور يزيد على ثلاثمائة وخمسين الفاً فعليك ان تتخيل قيمة المبالغ المالية الضخمة التي ستدخل على هذه الشركة الاستثنائية والتي ستخرج من البلد بنفس اليوم، كما انه عليك ان تتخيل مقدار المشقة والتعقيد التي سيتعرض لها المواطنون الاردنيون الذين سيعانون من الوصول الى مكاتب الشركة ومن الاصطفاف بالساعات للتبصيم. وللعلم فإن البصمة غير مطلوبة من الفلسطينيين وعرب 48 والعراقيين الذين يحصلون على تأشيراتهم من نفس القنصلية في عمان!.
الغريب في الموضوع ان موقف الحكومة الاردنية والمتمثل في وزارة الاوقاف المعنية بشؤون المعتمرين ووزارة الصناعة والتجارة المعنية بحماية الشركات الاردنية ووزارة الخارجية المعنية بحماية المواطن الاردني ووزارة الداخلية المعنية فقط بأخذ بصمات الاردني في الاراضي الاردنية، كلهم يلوذون بالصمت او الحديث على استحياء متذرعين بحرية سيادة المملكة العربية السعودية وما تتخذه من قرارات، وتناسوا جميعا ان الحديث الدائر عن شركة خاصة وليست حكومية وعن سيادة اردنية على الارض الاردنية دون ان ينقص ذلك من سيادة المملكة العربية السعودية على اراضيها.
ويبدو ان الموضوع مرشح للتفاعل اكثر خاصة بعد الوقفة الاحتجاجية التي اقامها اصحاب شركات الحج والعمرة امام معرض الشركات السعودية والتي فاجأت وزير الاوقاف والسفير السعودي، وبعد الحملة الاعلامية التي تقودها اللجنة الدينية في جمعية وكلاء السياحة والسفر ضد البصمة. وبعد الوقفة الاحتجاجية التي تمت يوم الاحد الماضي. كل هذا التصعيد وكل هذه الاجراءات يبدو انها لم توقظ المسؤول الاردني، فهل يستيقظ بعد فوات الاوان، وحدوث ما لا يحمد عقباه.
المفاجأة الكبيرة والعظيمة والتي تحبس الانفاس لسماعها، هي عند معرفة من هو المالك الحقيقي لهذه الشركة! وأترك للقارئ الكريم التخمين.