تُوصف المادة الاقتصادية الصحفية المنشورة في وسائل الإعلام بأنها جافة وعصية على الفهم من قبل الجمهور، وهذا التوصيف صحيح الى حد كبير، وعلى سبيل المثال عندما تعلن وزارة التخطيط أن الولايات المتحدة قررت تقديم مساعدات للاردن بمبلغ 250 مليون دولار للعام المالي الحالي، وبعد شهرين مثلا يتم الإعلان عن توقيع اتفاقية من المساعدات الأمريكية في عمان بـ 250 مليون دولار لا تتم الإشارة الى ان ذلك نفس المبلغ الذي تم نشره سابقا وتضمن القرار الأمريكي، ويتبادر إلى الذهن أن المساعدات بلغت 500 مليون دولار.
وفي نفس الاتجاه نجد بيانات تصدر عن البنك المركزي ان التسهيلات الائتمانية ارتفعت الى 19.1 مليار دينار في نهاية شهر أيلول الماضي يتبادر الى ذهن المتابع ان التسهيلات ارتفعت بنسبة مهمة، وبالعودة الى نفس الشهر من الماضي نجد ان التسهيلات الاضافية الصافية لا تتعدى 200 مليون دينار، ولا يتم توضيح هذه التسهيلات للقطاع العام أو الخاص أو الاثنين، كما تحتاج الى تصنيف هذه التسهيلات لمعرفة أي القطاعات أكثر نشاطا في الفترة المعنية، وأي قطاع لم يحصل تمويلات كافية.
ومن الارقام المؤلمة وتحتاج الى توضيح حقيقي للباحثين والمتابعين هي تلك التي تتعلق بالدَّين العام، فالدَّين يجب ان يصنف داخليا وخارجيا، والداخلي يصنف بالدينار او بالدولار، وفي هذا المجال فإن اذونات الخزينة والسندات قد تبلغ في نهاية العام -على سبيل المثال- ثمانية مليارات دينار، علما بأن فجوة التمويل من عجز الموازنة وخسائر الكهرباء الوطنية لاتتجاوز ثلاثة مليارات دينار، هنا تأتي اهمية تقديم تفاصيل الدَّين الجديد (الداخلي والخارجي) وتحديد قنوات توظيفه، اذ أن هناك اطفاء لأذونات قصيرة ثلاثة وستة اشهر وسنة و/ او اكثر وهناك آجال استحقاق تتطلب إصدارات إحلالية.
أمَّا الرصيد الجاهز من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي التي تجاوزت حاجز 14.5 مليار دولار قبل شهرين، وتغطي مستوردات المملكة لسبعة اشهر، فهذه الأرقام تبث نوعا من الاطمئنان ان اقتصادنا بخير، وان المؤشرات جيدة، وهنا يجب تقديم تفسيرات رسمية للعوامل التي ساهمت في زيادة هذا الاحتياطي، ومن هي العوامل التي رفع الرصيد، ويتبادر للباحث ان مصدره اما تحويلات من المنحة الخليجية او/و الاقتراض من الاسواق الدولية منها « يوروبوندز» التي تحول للبنك المركزي وتنامي التحويلات والمقبوضات السياحية، فالمنح الخارجية والاقتراض الخارجي تحول الى البنك المركزي الذي بدوره يصدر المزيد من الدنانير وضخ عملة محلية في السوق، التي يكون لها انعكاسات على التضخم في الاقتصاد.
الأرقام والبيانات مهمة جدا وتحتاج للتوضيح حتى نعرف الى اتجاه نسير وبأي سرعة...وفي ذلك عدالة وشفافية مطلوبة فالاقتصاد يعتمد الأرقام والحقائق بعيدا عن التهويم او طمس الحقائق او تغليفها وتجميلها.