هل نستطيع القول إن حدود الأردن الشمالية والشرقية هي نفس الحدود التي نعرفها قبل أن يحتل تنظيم الدولة الإسلامية « داعش « ثلث سوريا وربع العراق؟ هناك منطلقان للإجابة، فالذين يقفون على الأرض السورية والأرض العراقية لا يجدون سلطة قانونية معترف بها، ولكنهم يدركون حدود الأردن عندما يقررون الدخول إليه من خلال ختم جوازات سفرهم إن كانوا مدنيين، أو من خلال ردع عسكري إن كانوا إرهابيين، أما الذين يقفون على الأرض الأردنية فيجدون هذه السلطة، ويدركون أن الحدود من هذه الناحية واضحة وضوح الشمس، ويعرفون أيضا أن سفرهم خارجها إلى سوريا والعراق هو في الواقع سفر نحو المجهول.
لقد تغيرت الخارطة حتما، وتغيرت معها الملامح والهويات واللهجات، ومعظم ما كنا نعرفه من قبل، إننا اليوم أمام تنظيم يصعب معرفة حقيقة ما يفعل على الأرض من خلال المراسلين الصحافيين، ولكنه يرينا ما يريد هو، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظمه صادم مقزز، والأسوأ من ذلك أن التنظيم فخور بأفعاله، بل هناك من يعتقد أن تعذيب وقتل الضحايا هو أحد العناصر الجاذبة لمقاتليه، الذين يعتقد أنهم في الأصل ضحايا أنظمة قمعية، وندب اجتماعية، وأمراض نفسية، فضلا عن الفقر والبطالة والتهميش والإذلال.
كذلك لا نكاد نجد تحليلا شافيا لحقيقة داعش، بينما المحللون السياسيون يربطون التنظيم بجميع المتناقضات دفعة واحدة، عندما يحاولون إقناعنا بأنه صنيعة أميركا واسرائيل وايران والسعودية وقطر وتركيا والنظام السوري نفسه، فذلك النوع من التحليل ناجم عن الصدمة التي أحدثها التنظيم، سواء في حجم الأراضي التي حصل عليها في سوريا والعراق، أو في تمكنه من هزيمة الجيش السوري النظامي، والجيش السوري الحر، وجبهة النصرة، والجبهة الإسلامية والجيش العراقي، وجيش البشمركه، فضلا عن صياغته لنسخة جديدة للقاعدة التي تراجعت إلى خلف الأحداث ليظهر « التنظيم المبهم « على هذا النحو من الوضوح !
الآن لا حدود حولنا بالمعنى الجغرافي، ولا حدود للمخاطر التي تحيط بنا، ولذلك لا بد أن نسأل أنفسنا، هل يمكن أن نضمن سلامة جبهتنا على تلك الحدود من دون أن نضمن سلامة جبهتنا الداخلية بجميع مكوناتها الشعبية والسياسية والاقتصادية وغيرها؟