عندما تسلقت اسعار النفط مستويات شاهقة مقتربة من حاجز 150 دولارا للبرميل في العام 2008، لم تكن عوامل العرض والطلب في الاقتصاد العالمي المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع الجنوني، لاسيما وان الامدادات كانت طبيعية ولم تسجل عدم وصول النفط الخام الى مراكز التكرير النفطي في العالم، كما لم يسجل الاقتصاد العالمي طلبا اضافيا على النفط ومشتقاته، وسياسيا وعسكريا تجاوز العالم تداعيات الحرب على العراق، كما استمر تدفق النفط من المنابع الرئيسية بخاصة في منطقة الخليج العربي.
تصحيح اسعار النفط كان قاسيا إذ دفع الاسعار العالمية هبوطا لمستويات قريبة من مستوى 30 دولارا للبرميل في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009 ثم عاد الى الارتفاع تدريجيا وتجاوز حاجز 115 دولارا للبرميل في النصف الاول من العام الحالي، ومع دخول النصف الثاني انخفض خام القياس العالمي « مزيج برنت « وسجل ادنى مستوى له منذ 50 شهرا عندما كسر حاجز الـ 80 دولارا للبرميل، وسط توقعات بيوت خبرة عالمية بأن اسعار النفط قد تتحرك في نطاق ( 75 – 80 ) دولارا للبرميل خلال العام 2015.
وبالعودة الى اداء الاقتصاد العالمي نجد ان النمو مازال طبيعيا، فالطلب لايبرر هذا الانخفاض الذي بدا كانه سيتواصل حتى نهاية العام المقبل، فالاقتصاد الامريكي ما زال يعتبر اكبر مستهلك للطاقة، ويستورد النفط وبشكل متنام للمنتجات البترولية، فالسياسة النفطية الامريكية توقفت منذ 38 عاما عن بناء اية مصفاة للتكرير النفطي، وان النجاحات الامريكية في زيادة الانتاج النفطي مشكوك فيها وتحتاح فترة لاتقل عن ثلاث سنوات لزيادة انتاجها، وهو من النفط الثقيل، ويقدر الخبراء الزيادة بمعدل مليون برميل يوميا، اي ان الطلب الامريكي على استيراد النفط مستمر وبالمعدلات الطبيعية.
اقتصاديا ساهم ارتفاع سعر صرف الدولار الامريكي في اسواق الصرف بخاصة امام الين الياباني واليورو في تخفيض اسعار النفط، الا ان الانخفاض المسجل خلال الخمسة اشهر الماضية والمقدر بنسبة 30% لايعكس ارتفاع سعر صرف العملة الامريكية امام العملات الرئيسية، وان تنويع مصادر الطاقة عالميا وتنامي الاهتمام بالطاقة النظيفة في مقدمتها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لم تظهر تأثيرات مباشرة على الطلب العالمي على النفط والمنتجات البترولية، وان الاعتماد بنسبة 20% على الطاقات البديلة يحتاج الى عقد من الزمن مع ارتفاع الكلف الاستثمارية في السنوات الاولى.
من الواضح ان السياسة العالمية تقود اسعار النفط ، ومحاولات الضغط ماليا على روسيا ( اكبر منتج في العالم) قد يكون على رأس اهداف السياسة العالمية لتخفيض اسعار النفط، وان استمرار تخفيض الاسعار سيضعف قدرة اقتصاديات الدول النفطية على مواصلة مشاريع تطوير حقولها، عندها سيواجه العالم موجة تصحيح جديدة ترفع اسعار النفط عالميا.