ألف الأردنيون استخدام الجاهات كآلية أو وسيلة لأداء وظيفة اجتماعية في قضايا متعددة منها ما يتعلق بالمصاهرة وخطبة العرايس أو قضايا الصلح العشائري أو غيرها. وفي الوقت الذي تضرب جذور هذا العرف في التاريخ الاجتماعي للقبائل العربية عامة والأردنية على وجه الخصوص، فإن هذه الجاهات كانت تؤدي أدوار مؤسسات لم تكن موجودة في بنيان الدولة آنذاك مثل الدور الأمني، والدور القضائي، والدور الصلحي وغيرها.
أما وقد تطورت الدولة الحديثة وتم إنشاء مؤسسات أمنية وقضائية فلا نعلم سر تعلق الأردنيين بالاستخدام المفرط للجاهات في كل مناحي الحياة؛ لدرجة أن الجاهات أصبحت أسلوب حياة وأصبح الزواج يحتاج الى جاهة، والعطوة العشائرية تحتاج الى جاهة، والصلح العشائري يحتاج الى جاهة، وحل الخلاف والتلاسن بين الأفراد يحتاج الى جاهة، وخسارة جولات انتخابية لرئاسة مجلس النواب تحتاج الى جاهة، وحوادث السير تحتاج الى جاهة، ورد الزوجة الحردانة إلى بيت زوجها يحتاج الى جاهة.
لقد أصبحت الجاهات صناعة وتجارة(Business) في الأردن لها متخصصون وبيوت خبرة يحفظون الخطابات والكلمات عن ظهر قلب، فيمتطي رئيس الجاهة صهوة جواده منتصب القامة ويبرم شنباته ويستل سيفه من غمده؛ ليخطب العروس مظهرا بطولات أهلها وفتحهم للقدس واستعادة الأراضي المحتلة ودحرهم ل"إسرائيل" في المعارك المتتالية.
نعم لقد أصبحت الجاهات بزنس وتجارة لأصحاب الخيام المعدة لذلك والمقاعد، وكذلك الصالات لدرجة أن أصحاب بعض هذه الصالات أصبحوا يفكرون في إضافة خدمة جديدة الى قائمة ما يقدمونه من لوازم الجاهات، وهي من تريد من رؤساء الوزارات أن يترأس الجاهة من جانب العريس؟
وكذلك من يرغب من أصحاب الدولة أن يتكلم باسم أهل العروس؟. لا أستبعد يوما من الأيام أن يكون هذا مقابل مكافأة مالية يتقاضى رئيس الوزراء أو الوزير نسبة مئوية منها وأصحاب الصالة يتقاضون النسبة المتبقية.
الجاهات بشكل عام لا تخلو من نفاق اجتماعي يتضح جليا في جاهات العرايس. ففي إحدى الجاهات التي اصطحبت فيها أحد الأصدقاء الأجانب هاله ما رأى من اعداد غفيرة من الناس لحضور الجاهة؛ فسألني هل أهل العروس يرفضون طلب العريس؟ فقلت له أبدا كل شيء متوافق عليه، وعقد الزواج مكتوب، وهذا الكلام للبهرجة وإظهار منزلة العائلتين؛ فكان ذلك صعبا عليه أن يفهمه فسألني هل هذا نفاق (Hypocrisy) فلم أجبه لأنني أتفق معه بانه نفاق اجتماعي.
عدوى الجاهات انتقلت الى مجلس النواب مؤخرا حيث أن تلاسن اثنين من النواب يتبعه جاهة من جيش عرمرم من نواب الألو والواتس أب يذهبون الى بيت من تعرض للإساءة أو إشهار السلاح أو "العض" او "الدفش" أو "الرفس" أو غيره وتلقى الكلمات لينتهي الموضوع. والأنكى من ذلك أن يقوم جهاز الأمن العام كما حدث أكثر من مرة بأخذ عطوة وتسيير جاهة أمنية على خلفية مصرع مطلوب أمني أثناء عملية القبض عليه؟
لا أفهم مثلا كيف تسفر معركة انتخابية فاشلة لرئاسة مجلس النواب بجاهة!!!
نعم أصبحت الجاهة مكلفة نظرا لما يترتب عليها من حجز صالات وتأمين مستلزمات، وأحيانا ربما تقاضى زعماء الجاهات مكافآت مقابل خدماتهم تماما مثلما يتلقى بعض الأمراء في بعض الدول مبالغ مالية لافتتاح نشاط خاص أو شركة او رعاية تخريج طلبة مدرسة أو جامعة خاصة أو غيرها.
في كثير من الأحيان أصبحت الجاهات عقوبة إضافية للطرف المستقبل لها؛ حيث يتطلب الأمر تكلفة وأعباء إضافية عليه. فالمناوشات والاختلافات بين الأفراد أحيانا يترتب عليها توجه جاهة الى بيت أحدهم لإرضاء خاطرة والاعتذار منه وعليه أن يؤدي الواجب ويولم لهم لدرجة أصبح بعض الأشخاص الذي يتسببون بالإساءة للآخرين يسارعون في إخبار المعتدى عليهم بأنهم سيقومون بإرسال جاهة له لرد الاعتبار مما يعني أيضا القيام بواجب الجاهة.
مؤسسات الدولة الحديثة أصبحت تؤدي معظم الوظائف الأمنية والقضائية والاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات. المحاكم والدوائر الأمنية والبحث الجنائي والقوانين والأحوال المدنية وشركات التأمين كلها مؤسسات أصبحت تمارس الأدوار الاجتماعية التي كانت تؤديها الجاهات في الماضي، عندما كانت مؤسسات الدولة غائبة. لا نعلم المسوغات المقنعة لاستمرار الجاهات(على الطالع والنازل) وخصوصا تلك التي يترأسها أصحاب الدولة وحديثا دخل بعض الأمراء على مسرح الجاهات. كثير مما يمارس في الجاهات يدخل في باب البهرجة والنفاق؛ حيث تصبح الجاهة مجرد منصة لحديث دولة الرئيس المتكلم من جهة أهل العريس ودولة الرئيس الذي يرد عليه، وتلتقط الصور وأحيانا ينسى أصحاب الدولة اسم العريس واسم صاحبة الصون والعفاف اللذين جاءا من أجلهما. كل هذه مظاهر زائفة وضحك على الذقون وكثير من الزيجات هذه لا يبارك رب العزة فيها لأنها مبنية على نفاق وكذب ومظاهر ليس لله فيها شيء.