في الوقت الذي تنحى فيه التيارات السياسية نحو التماسك الداخلي ونسج علاقات سياسية مع الوان الطيف السياسي الآخر , تنحى جماعة الاخوان المسلمين الى الحفاظ على الشرخ العامودي والافقي داخلها, بنأيها عن استيعاب الافكار القادمة من الابناء والاصدقاء على حد سواء , مع استمرار التشنج في العلاقة مع الاطراف الرسمية .
الجماعة اسيرة حد اللحظة لانتمائها الاخواني تاركة الافق المفتوح الذي يستوعب الاخوان وغيرهم لتملأه اطراف ثانية معظمها مؤمن بضرورة وجود الاخوان في الملعب السياسي رغم جفاء الاخوان معهم وادارة ظهرها لهم وكأن الاحداث التي تعصف بالمنطقة والاقليم لن تطال الجماعة بنيرانها ولن تدفعهم قسرا الى التعديل في السلوك ومراجعة المنهج .
والامل ان تبدأ الجماعة طوعا بالانفتاح والمراجعة قبل ان تداهمها اللحظة الفارقة فيصيبها ما اصاب نظيرتها في مصر , ولا تنجح كما نجحت الجماعة في تونس التي حافظت على البقاء الكريم بتقديمها الديمقراطية على السلطة والدولة على الجماعة , وقد سمعنا من السيد راشد الغنوشي قبل يومين كلاما يوزن بماء الذهب , وحديثا عميقا عن تونس واللحظة العربية يصلح لان يكون منهاج عمل للقوى السياسية على اختلاف تلاوينها الفكرية ورأينا عمق القراءة الواعية وسلوك الحفاظ على الدولة وعلى مخالفي الجماعة قبل الحفاظ على رجالات الجماعة.
في المشهد الاردني ثمة تلاوم بين المكونات السياسية المعارضة منها والرسمية مع الاخوان , فالجهات الرسمية تقول انها قدمت يدها اكثر من مرة للاخوان لكنهم انتظروا الاقليم قبل الاجابة , في حين ان احزاب المعارضة ترى ان الاخوان استقوت بالاقليم عليهم وادارت ظهرها للقواسم المشتركة في الداخل الاردني لحساب الساحات الخارجية فأضاعت الجماعة فرصة ذهبية لتحسين شروط التوافق الوطني والمراجعة السياسية .
وللتوضيح فإن المطلوب من الجماعة ليس التخلي عن نهج المعارضة ومسلكها بقدر ما كان المطلوب التخلي عن نهج التفرد والاستقواء على الاخرين , فعودة الجماعة الى الحوار مع مختلف تكوينات الساحة السياسية على اسس الساحة الاردنية هو المطلوب , لتحقيق الحد الادنى من التوافق ونقل نقاط الخلاف الى مستويات ثانية من الحوار قد تكون في احدى حلقاتها داخل مجلس النواب بعد اقرار القانون الجديد الذي يحتاج الى رأي الاخوان والى توافقهم عليه لضمان المشاركة العامة للتكوينات السياسية .
لا يوجد مراقب او متابع في الاردن يبحث عن اقصاء الاخوان وشيطنتهم ولا يوجد عاقل يريد لهم الانشقاق والتشظي فهم ركيزة المعارضة الاردنية وصمام امان التوافق المجتمعي , وعودتهم الى المشاركة السياسية فيه الخير الكثير للجميع وللصورة المستقبلية , والازمة الآن داخلهم اكثر مما هي معهم , فمشهدية الصدام مع زمزم لم تعد مقبولة او مطلوبة , وتقديم المشهد العربي حتى لو كان المشهد الفلسطيني على المشهد الداخلي خسارة مزدوجة للاردن وفلسطين على حد سواء .
ليس المطلوب من الاخوان خلع عباءة الجماعة او التخلي عن نهج المعارضة ولكن المطلوب ترشيق الخطاب ومراجعة المنهج الذي يتعرض لاقسى اشكال التشويه من حراكات التطرف والارهاب ومن تصريحات الطيش التي يطلقها افراد من الجماعة خصوصا ان هناك من يصطاد هذه التصريحات ويعيد تقديمها كموقف وحيد للجماعة ضاربا عرض الحائط بما قاله الامين العام للذراع السياسي للجماعة بأن الاخوان ليسوا ملائكة وفيهم من يمارس الشطط كما في تصريحاته لصحيفة الايكونوميست .
خطاب الرشاد هو المطلوب من الجماعة وهو خطاب اصيل داخل اطرهم ومراجعهم , وتقديم الداخل على الخارج مهما علا شأنه نهج اصيل لدى الجماعة والمطلوب العودة الى الاصول داخل الجماعة واحتواء الاخوة الذين اجتهدوا في الرأي وما خالفوا في المنهج والنهج وفتح الابواب للحوار وان تكون المبادرة من الجماعة نفسها دون انتظار الاطراف الاخرى لسد الباب على المتصيدين والراغبين ببقاء الجماعة خارج اسوار المشهد السياسي.