كثيرا مانسمع: هذه العبارة، على الأصل دَوّرّ ؟
فنتساءل مثلا هل هذه الساعة أصلية أم تقليد ؟ هل هذه الفرس أصيلة..أم لا ؟ وهكذا..وللأسف.. ظلت السلالات والأصول منوطة باستفساراتنا عن الحيوانات كالكلاب والخيل..والأشياء من ساعات وحقائب واثاث ولوحات...الخ..خشية وقوعنا ضحية التزييف..
وتقريبا توقفنا عن ربط صفة الأصالة بشخصية الإنسان.. هذه الشخصية التي هي بمثابة نواة الناس.. بل الإنسانية.. فإن صلُحت الغالبية بشخصياتها.. صلُحت الإنسانية جمعاء والعكس صحيح !
وكأن الشخصية غير الثابتة..المتميّعة و المزيفة.. اصبحت مطلبا من مطالب العصر، ناسين او متناسين أن الشخصية الحقيقية الأصلية.. تعني أصالة أخلاقها الثابتة الراسخة التي لا تتغير صعودا أونزولا وفق الظروف المعنوية والمادية وبالأخص الماديَة منها ! حتى وقعنا في فخ الجشع المادي فتشعبت دروب الفساد وهجرَنا الحق بعد ان هجَرْناه..فتاهت الشخصية الأصلية الحقيقية في متاهات الغش والخداع والنصب والاحتيال وعدم الولاء للأرض والوطن والإنسان.. منتجة أخلاقيات آخر الأزمان !
يقولون: أمران يُحددان شخصيتك: صبرك حين لا تملك شيئاً ، وتصرفاتك حين تملك كل شيئ. •.!
وهذا باعتقادي صحيح لأن شخصية الفرد الحقيقية تصبح واضحة للعيان تحت ظروف معينة..تكون هذه الظروف بمثابة المعيار الذي يحدد نوعية الشخصية.. فعنصر الثبات هو الأساس الذي ترتكز عليه شخصية الانسان ، ويتأتّى الثبات من الأساسات الصحيحة ، والركائز القوية.. تماما كالبناء.. بين ثابت قوي وآخر متخلخل آيل للسقوط في اية لحظة.. مما يخلق الشك والظنون بشأنه، فما بالك بشخصية الإنسان التي تحتاج إلى أسس وقواعد أصيلة ثابتة راسخة ذات جذور.. كي يرتكز عليها بناء الشخصية...وبما ان مجالات الأنساب والأصول قد انفتحت على بعضها الآن واختلطت عشوائيا ،فلهذا يُستعاض عن الأصل الطبيعي النقي ، بتنقية الأجناس ولترقيتها وقائيا , من خلال حقْن الجميع بمطاعيم أصول التربية و التعليم ولا سيما الأسرية والمجتمعية والسلوكية والعملية المضمخة بعبير الأصول والمشبعة بأكسجين الأخلاق..
إضافة إلى تعميق أساسات الشخصية..وتغذيتها بالمؤونة الأخلاقية المطلوبة.. لنحصل على جذور الشخصية الأصيلة.. القادرة على الثبات بوجه الأعاصير والمتغيرات.. وفق أصول التربية..الصحيحة..الراسخة.. المعتدلة.. البعيدة عن الشطط والتطرف بالقول والفعل والسلوك..
فالشخصية تعكس مضمون كل فرد ، وبالتالي مضمون اي مجتمع يعتمد على محصلة مضامين شخصيات أفراده جميعهم ، التي تحددها افكارهم وعاداتهم وسلوكياتهم واعمالهم.. وفق عمليتي تربية وتدريب لشخصياتهم مؤكدين على ان بناء الشخصية الإنسانية اهم من بناء اي شيء آخر..
كنا نسمع حتى الماضي القريب اثر الأصول في تكوين الشخصية الصحيحة..أي الجذور.. فكلما كانت جذور السلالة ضاربة بالأعماق.. كلما كان صاحبها اكثر اصالة.. شريف النسب.. دماؤه نقية..
ولهذا يقولون لن تتعب مع الأصيل..او الأصيلة....وبهذا تم اعتماد أصل الإنسان لفترة طويلة كمعيار لتحديد نوعية شخصيته..تماما كالفرس الأصيلة التي تتمتع بصفات لا تتمتع بها الخيل الأخرى....
فابن الأصل لا يتغير مع الأيام ان شحت الموارد اوغَزُرَتْ بين يديه.. وبالتالي عند الزواج كانوا يضعون الأولوية للأصل اولا ، والعلم ثانيا ، اما المال فكان ياتي.....عاشرا.. بعكس هذه الأيام! لان الثبات على الأخلاق هو الأهم.. وبخاصة ان مايسعى اليه الأصيل السامي يكمن في ذاته.. أي تحسين ذاته..اما الدنيء فإنه يسعى لما لدى الآخرين.... حتى ان بعض العائلات الأصيلة.. كانت تتطرف في مغالاتها بانتظار ابن الأصل.. الأصيل..الثابت.. الراسخ.. خوفا على بناتهم.. ولسان حالهم يقول: الأصل ب (يونّس)!.. في عتمة الأيام واكفهرار الزمان !
فتمتنع عن تزويج بناتها من خارج نطاق العائلات الأصيلة..حتى لو فاتهن قطار الزواج !
فمثلا ابن الأصول لن تعرف انه محتاج على الإطلاق مهما بلغت به الحاجة.... تخاله غنيا لشدة تعففه.. ولو رزقه الله رزقا وفيرا فلن تتغير سلوكياته.. سيتصرف كعادته بدون عجرفة او غطرسة..ثابتا راسخا بشخصيته.. سيظل المحب العطوف.. الملتزم..السخي بكرم أخلاقه.. بل سيحسّن من صفاته أكثر..بعكس الدنيء الذي ستزداد كشرته وغطرسته كلما زادت أمواله.. محمّلا الناس جمائل غناه! مستكثرا عليهم الكلمة الحلوة والابتسامة الصغيرة حتى المزيفة منها..
فمثلا نرى محدثي النعمة التي هبطت عليهم النعمة فجأة..يفتقدون لأبجديات الأصول..تكاد تميزهم بصخب زيّهم وصوتهم وأثاثهم وتصرفاتهم.. صخب وضجيج يصم الآذان ويعمي الأنظار وينحر الأذواق... ومما يزيد الطين بلة هو إقتداء البعض بهم كنموذج.. ومن هنا تتدنى الأذواق وتتراجع الثقافة الجمْعية.. فيخفت الإبداع..وتضمحل التنمية..ويتبخر التقدم..
وعندها ..فلنقرأ على المجتمع السلام !...
والسلام ..
hashem.nadia@gmail