اخبار البلد-
ألقى فضيلة الشيخ خالد القرعاوي، خطبة التراويح بمسجد ابي موسى الأشعري "القصيم – عنيزة” بالمملكة العربية السعودية، بعنوان ” أهلا بعشر ليلة القدر”، والذي أوضح خلال الخطبة السلبيات التي يقع فيها المسلمين في العشر الأواخر من رمضان، لافتا إلى فوائد الاعتكاف وفضل العشرة الأواخر وكيفية الحصول عليهم.
ودعي المسلمين بالأنفاق على الفقراء والمشردين خلال الثلث الأخير من رمضان، مضيفا أن ليلة القدر جاءت لكي يعوض المسلم عما فاته من أعمال صالحة خلال شهر رمضان، لانتهاز الفرصة الأخيرة.
واستشهد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ،فعن عبدِ الله بنِ عمرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله : "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عَجَزَ فلا يُغلبَنَّ على السَّبعِ البواقي”.
وأشار إلى الظاهرة التي تحدث في شهر رمضان، وهي الهمة والنشاط التي تكون لدى المسلمين في أول الشهر ، ثم تبدأ تتناقص حتى نصل إلى عيد الفطر ، لافتا إلى قول ُ أمُّنا عائشةُ - رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ”.
وإليكم نص الخطبة
الحمدُ للهِ خلقنا من تراب وفاوَتَ بيننا في العلم والآداب، وفَّقَ من شاءَ لطاعته برحْمَتِهِ، وأضلَّ من شاء بعدله وحكمتِهِ، نشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لهُ المتفرِّد بكلِّ جلالٍ وكمالٍ، ونشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه الرحمةُ المهداةُ، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الْمُكرَّمينَ والتابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.
عباد الله: ظاهرةٌ مُؤسفةٌ حقَّاً تظهرُ في العَشرِ المباركة، ولا يُعرَفُ لها تَفسيرٌ إلاَّ الغفلةُ والحِرمانُ، فكثيرٌ من الصَّائمينَ قد نَشِطُوا للعبادة أوَّل الشَّهرِ والطَّاعة! ثمَّ في مُنتَصَفِهِ تَضعُفُ الهِمَمُ وتَفتُرُ العَزَائِمُ! ومِمَّا يَزِيدُ الطِّينَ بِلَّةً أن تُقضى ليالِ العشر في التَّنَقُّلِ بينَ الأسواقِ بَحثاً عن أثَاثٍ أو ثِيابٍ، وسُبحانَ اللهِ ولا تَحلُو مَهرَجَانَاتُ التَّسوُّقِ إلاَّ في عشرِ رمضانَ؛ إنَّهُ الحِرمانُ! إنَّهُ الحِرمانُ ورسولُنا يقولُ: "أحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها”؛ فكان لزاماً علينا أن نذكِّرَ أنفُسَنا بِفَضائِل العَشرِ لِتَكونَ دافِعَا لَنا على الجدِّ والعملِ.
عبادَ الله: لقد كان رسولُنا -عليه الصَّلاةُ وأزكى السَّلامُ- يجتهدُ في العشر الأواخر ويخصُّها بمزيدٍ من الأعمالِ ما لا يجتهد في غيرها من الأيامِ والليالي، فهو يُحيي الليلَ كُلَّه، ويَتجنَّبُ نساءَه، تقولُ أمُّنا عائشةُ -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ”.
قال ابنُ رجبٍ -رحمه اللهُ-: "ولم يكنِ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ يدعُ أحداً من أهله يُطيقُ القيامَ إلا أقامَهُ”.
هكذا كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتفرِّغَاً للعبادةِ في هذه العشر مُقبلاً عليها، بل كان -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- يعتكفُ في هذه العشرِ لينقطعَ عن الدُّنيا ومشاغِلِها مُتَحَرِّياً ليلةَ القدر.
أيُّها الصَّائمونَ: من دلائلِ توفيقِ اللهِ للعبدِ أنْ يَغتَنِمَ هذه الليالي المباركةِ، بأنواع العبادة والتَّذلُّلِ بين يدي ربِّه، يقومُ مع النَّاسِ في جوف الليل وبالأسحار، ويَدْعُ ربَّهُ، فاجتهدوا يا رعاكم اللهُ بالدُّعاء، وسَلُوا اللهَ ولا تَعْجَزُوا ولا تستبطئوا الإجابةَ، أملاً بالفوز بليلةِ القدر، ونيل بركاتِها؛ فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
وقد ندب رسولُنا إلى التماسها في ليالِ الوتر من العشر الأواخر، أو السَّبعِ البواقي فعن عبدِ الله بنِ عمرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله : "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عَجَزَ فلا يُغلبَنَّ على السَّبعِ البواقي”.
وقد سألت أمُّ المؤمنين عائشةُ -رضي الله عنها- رسولَ الله بأيِّ شيءٍ أدعوا ليلة القدرِ؟ فأرشدها أن تقول: "اللهم إنَّك عفوٌّ، تحبُّ العفو، فاعف عني”.
أيُّها الصَّائمونَ: وخيرُ الذِّكرِ قَدْرَاً، وأعظَمُها أجراً تلاوةُ الكتاب الكريم الذي لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، "فمن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشر أمثالها”.
واعلموا رحمكمُ اللهُ: أنَّ الجَمْعَ بين الصيامِ والصَّدقَةِ أبلغُ في تكفيرِ الخطايا والفوزِ بالجنَّةِ! صَحَّ عن النبيِّ أنَّه قال: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟” قال أبو بكر: أنا، قال: "من تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟” قال أبو بكر: أنا، قال: "من تصدَّق بصدقةٍ؟” قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم مريضًا؟” قال أبو بكر: أنا، قال: "ما اجتمعت في امرئ إلا دخلَ الجنةَ”.
فهيَّا عباد اللهِ: أكثروا من الصَّدقات فهي سببٌ لِزَكَاءِ نُفُوسِكم، وطهارةِ قُلُوبِكم، ونماءِ أموالِكُم، فَنحنُ في شهر رحمةٍ ومواساةٍ، وقد حَلَّ بإخوانٍ لنا في العقيدة والدِّينِ، فجائعُ كبرى، وفقرٌ مُهلكٌ، فأعينوا مُحتَاجَهُم، وأغيثوا مَلهوفَهُم، وانصروا مَغلُوبَهم، وجاهِدوا مَعَهم بِأموالِكم، فاللهُ تعالى يقول: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) .
أيها الصائمونَ: كان رسول الله إذا دخلتِ العشرُ لزمَ المسجدَ فلا يخرجُ منه إلاَّ ليلةَ العيدِ. ففي الاعتكافِ أسرارٌ ودروسٌ! فالمعتكفُ ذِكرُ اللهِ أنيسُهُ، والقرآنُ جليسهُ، والصلاةُ راحتهُ، ومناجاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه، والدُّعاء لذَّتُه.فهنيئاً للمعتكفينَ.
يـا رجـالَ الليل جِدُّوا *** رُبَّ داعٍ لا يـُـرَدُّ
لا يقـومُ اللـيل إلا *** مَنْ له عـزمٌ وجِـدُّ
فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا، اللهم وفقنا لليلة القدر، واجعل حظنا فيها موفوراً وسعينا مشكوراً، اللهم اجعل شهرنا شهر خيرٍ وبركة للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم أعتق رقابنا ووالدينا والمسلمين من النار. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أعز الإسلامَ والمُسلمينَ وأذلَّ الكفر والكافرينَ، واحمِ حوزةَ الدينِ واجعل بلادنا وبلادَ المُسلمين آمنةً مطمئنة يا ربَّ العالمين. اللهم انصر إخواننا المُستضعفين في كل مكانٍ وانصر المُجاهدينَ في سبيلكَ في كل مكانٍ.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.