أصبح مسلسل داعش منافساً لمسلسلات رمضان، وعنصر التشويق فيه يتولى الإعلام الفضائي شحذه على مدار الساعة، لأن السينارست غامض وكذلك المخرج، أما الممثلون فقد تأخر الإعلان عن أبرزهم فهو بطل المسلسل الذي حمل اسم الخليفة.. ويشاء القدر أن نعاني في هذه الأيام من أطول أيام السنة وأشدها حراً، ومن انصراف الناس عن شجونهم إلى شأن رياضي هو المونديال الذي لو كان للثقافة واحداً بالمليار من حصته لاختلف المشهد وما كان الحال هو الحال، وإذا كان رمضان هو الموسم السنوي للدراما العربية جيدها ورديئها، والمطبوخ منها والمسلوق على عجل، فإن هذا العام له حكاية أخرى، وقد ظهر المذيعون على الشاشات كما لو أنهم معلقون رياضيون لكن ليس بمهارة محمد لطيف وبقية السلالة من المحترمين.
المعلقون السياسيون الهواة، رتبوا التعليقات بعدوى مونديالية، فداعش تتقدم نحو بغداد، ثم تحاصر في تكريت ثم تمارس ضربة جزاء في ديار بكر، وبين هذا الكر والفر يبقى السؤال الحاد والمدبب الذي ينغرز في العيون وهو كيف تشكل هذا الفريق وكيف استطاع إنجاز كرة من لهب كلما تدحرجت أحرقت ما يصادفها؟
الجميع لا يترددون في إعلان القلق من داعش، حتى إسرائيل قفزت بطريقها إلى المشهد ولم يحدث من قبل أن كان اسم تيار أو طرف بهذا الالتباس، فهل اصبح داعش اسماً مستعاراً لآخرين؟ أم هي راجح في المسرحية الرحبانية؟
ان ما يفرزه الواقع العربي الآن يجب أن لا يدعشنا، سواء كان المفروز سماً أو عسلاً، فما مر بنا على امتداد التضاريس العربية خلال بضعة أعوام ربما كانت الأعجف في تاريخنا الحديث كان لا بد أن ينتج ما نرى وما نسمع من ظواهر بدأت ذات يوم كأعراض جانبية ثم تصدرت المشهد واستولت على دور البطولة في نشرات الأخبار.
مسلسل داعش مجهول النسب والسيناريو يتم ارتجاله على ما يبدو تبعاً لاتساع أو ضيق خشبة المسرح. وقد أصبحنا نسمع اسم داعش عدة مرات في الدقيقة الواحدة عبر مختلف وسائل الإعلام، وقد ينسى أحدنا الضاحية التي يسكن فيها ويقول لسائق التاكسي داعش!
اننا نعجب من أمة تعدادها أكثر من ثلث مليار وسودت نخبها ومثقفوها ملايين الأطنان من الورق عن الحداثة والمعاصرة والتمدن، كيف يمكن لها أن ترتعش على هذا النحو؟ إن أية موجة من هذا الطراز لا تستمد قوتها من ذاتها من حالة الاستنقاع التي يعيشها العرب بعد عدة ثورات انتهت بهم إلى البكاء على الأطلال!