كل من راقب مشهد وصول السفير الأردني في ليبيا، إلى مطار ماركا في عمان سالمًا، بعد أسابيع من الاختطاف الذي سبب حالة من القلق الوطني، الذي أصاب الأردنيين أقول: إن كل من راقب هذا المشهد، لا بد من ان يكون قد التفت إلى تميز المدير العام لدائرة المخابرات العامة - الفريق أول فيصل الشوبكي - في تصرفه وحركته الهادئة الرزينة، وعدم سعيه ليكون تحت أضواء الإعلام، وبهرجة الشهرة، بالرغم من أنه والجهاز الذي يقوده هم أبطال مشهد الفرح، الذي عمّ الوطن، بل هم الصناع الحقيقيون لهذا الفرح من خلال حركتهم الهادئة، وعملهم الدؤوب بصمت، بعيدًا عن الاستعراض والصخب الذي قد يحدث «جعجعة» دون أن يؤدي إلى طحنٍ، وبعيدًا عن الشهرة التي تفقد في كثير من الأحيان صاحبها توازنه، وتحرفه عن مساره، وهنا لا بد أن نسجل واحدة للفريق فيصل الشوبكي، لأنه منذ ان تولى منصب قيادة دائرة المخابرات العامة، حرص على إعادة رسم صورتها التي انطبعت في أذهان الأردنيين لعقود طويلة، كجهاز محترف يعمل بصمت، بعيدًا عن الضوضاء وكاميرات الإعلام، ساعيًا إلى ترجمة فلسفته الراسخة وتجسيد رؤيته الواضحة، من خلال العمل على تحقيق أهدافه ضمن أولويات وطنية لا تقبل المساومة.. من بينها: حماية أمن الأردن والأردنيين من كل خطر كبر أم صغر، ومهما كان مصدر هذا الخطر، وليس هذا بالأمر المستغرب على رجل مثل الفريق الشوبكي، الذي أمضى زهرة شبابه في خدمة الجهاز، وعاصر كل أيام ألقه وإنجازاته، وكان شريكًا في الكثير منها. لذلك لم يكن مستغربًا من قائد الوطن عندما نثر كنانته وعجم عيدانها، ان يختار الفريق الشوبكي لقيادة الجهاز الأهم في حماية أمن الوطن واستقراره وإدامة هذا الأمن وهذا الاستقرار، فأعاده من السلك الدبلوماسي إلى رأس هرم الجهاز. وهذه واحدة من أهم أسباب تفوق جهاز مخابراتنا - أعني بها دقة اختيار العناصر العاملة فيها - ومدى صلاحيتها للمهمة الموكلة إليها، وهو ما جسده جلالته الملك باختياره للفريق الشوبكي لقيادة الجهاز. فالفريق الشوبكي خبر الجهاز وصعد سلمه درجة درجة، وهذه أخرى من أسباب نجاح دائرة المخابرات.. فإذا كان حسن اختيار العناصر أول أسس نجاح الجهاز، فإن ضمان فرصة التقدم والارتقاء إلى قمة الهرم هو أحد أهم دوافع العاملين فيه للإخلاص والمثابرة، وهذه قاعدة نحب ان تعمم على سائر مؤسسات الدولة، لتحقق هذه المؤسسات نجاحات مثل النجاحات التي تحققها دائرة المخابرات، وهي النجاحات التي جعلت الأردنيين الذين لا يتفقون في الغالب على شيء، يجمعون على الاعتراف لدائرة المخابرات العامة بالنجاح، وعلى قدرتها على حفظ أمنهم وحماية أمانهم من خلال العمل على منع وقوعه، وفي الحالات القليلة التي تعرض فيها الأردنيون للخطر كما حدث في حادثة اختطاف السفير العيطان، كان السبب أن الجهات ذات العلاقة لم تتعامل مع تقييمات وتحذيرات جهاز المخابرات بالقدر الكافي من المسؤولية. وفي كل الأحوال فإن حادثة اختطاف السفير العيطان، لا تقاس بحجم نجاحات أجهزتنا الأمنية، وهي النجاحات التي تجلت بأشد صورها في مرحلة ما صار يُعرف «بالربيع العربي»، وهي المرحلة التي عاد فيها الفريق الشوبكي إلى جهاز المخابرات قائدًا له، حيث كان بلدنا يقف على مفترق طرق، فإما الغرق في مستنقع الفوضى كما حدث في دول كثيرة محيطة بنا، أو النجاة بالسفينة، وهو ما حدث بحمد الله حيث لعبت دائرة المخابرات العامة دورًا حاسمًا في تحقيق هذه النجاة، عندما استخدمت لغة الحوار، بل وأعطتها الأولوية حيثما كان الحوار هو الأجدى والأنفع، واستخدمت الحزم عندما كان الحوار لا يؤتي أكله مع المعاندين، وفي كلتا الحالتين كان الصبر وكانت الأناة، وكانت الحكمة ديدن هذا الجهاز، الذي يعمل بصمت حتى في اللحظات التي كان الآخرون يسرقون نجاحاته وينسبونها إلى أنفسهم، بل وحتى في اللحظات التي كان الجهاز يتعرض فيها للظلم والتشويه. فكان يتحمل ذلك بصبر ما دام الصبر هو الطريق الأنفع والأجدى لتحقيق الأهداف. كما حصل في قضية خطف سفيرنا في ليبيا، وهو الخطف الذي قال فيه كل الناس كلماتهم: ثرثرة، واتهامات، وتوقعات، وتكهنات وسيناريوهات، ولم يفكر أحد من الذين يحترفون التنظير وضع نفسه مكان الفريق الذي كان يدير الأزمة، ويعمل على الوصول إلى نهاية سارة لها بأقل الخسائر الممكنة، وهكذا علت أصوات بعض الذين لا يجيدون إلا الثرثرة والتنظير، ووضع السيناريوهات التي لا تستند على المعلومات، بينما ظل جهاز المخابرات يعمل بصمت، مستخدمًا كل الأدوات والوسائل المتاحة للوصول إلى الهدف المنشود بأقل الخسائر الممكنة. ولعل جمع المدير العام لدائرة المخابرات بين الخبرات الأمنية، والخبرات الدبلوماسية قد ساهم بالوصول إلى النتيجة التي كان يتطلع إليها كل الأردن.
في حادثة اختطاف السفير العيطان أثبتت دائرة المخابرات العامة مرة أخرى انها الجهاز «الضرورة» الذي يشتمه البعض ثم لا يستغنى عنه، ويظلمه البعض ثم يلجأ إليه، ويدعي فريقٌ البطولة في معارضته ثم يستشيره ويسير بمشورته، لكن الجميع يجمعون على انه الجهاز الضرورة الذي يستحق التهنئة على نجاحه الجديد. فإذا كان من حقنا ان نقول للمخطئ أخطأت، فإن من واجبنا ان نقول للناجح مبارك، وقد نجح جهاز المخابرات من جديد.. فمبارك له.